الفصل الأول : قصّة السقيفة
أ ـ إنكارُ مَوتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ۱
۱۳۸.الطبقات الكبرى عن عائشة:لَمَّا تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ۲ استَأذَنَ عُمَرُ وَالمُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ ،
1.ودّع النبيّ صلى الله عليه و آله الحياة إلى الرفيق الأعلى .
2.اهتزّت المدينة ، وعلاها هياج وضجيج ، وانتشر خبر وفاته بسرعة ، فأقضّ المضاجع ، وملأ القلوب غمّا وهمّا وحزنا . والجميع كانوا يبكون وينحبون ، ويُعوِلون على فقد نبيّهم وسيّدهم وكان الشخص الوحيد الَّذي كذّب خبر الوفاة بشدّة كما أسلفنا ، وهدّد على نشره ، وحاول أن يحول دون ذلك هو عمر بن الخطّاب . وتكلّم معه العبّاس عمّ النبيّ فلم يقتنع .
وحين نظر المغيرة بن شعبة إلى وجه النبيّ صلى الله عليه و آله أقسم أنّه ميّت ، لكنّ عمر قذفه بالكذب واتّهمه بإثارة الفتنة .
وكان أبو بكر في «السُّنْح» خارج المدينة ، فأخبروه بوفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ، فجاء إلى المدينة ورأى عمر يتحدّث إلى النّاس ويهدّدهم بألّا يصدّقوا ذلك ولا ينشروه .
وعندما رأى عمر أبا بكر جلس (كنز العمّال : ج ۷ ص ۲۴۶ ح ۱۸۷۷۵) . وذهب أبو بكر إلى الجنازة ، وكشف عن الوجه الشريف ، وخطب خطبةً قصيرةً ضمّنها قوله تعالى : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَـبِكُمْ» (آل عمران : ۱۴۴) فهدأ عمر وسكن ، وصدّق بالوفاة وقال بعد سماعه الآية : «أيقَنتُ بِوَفاتِهِ ؛ وكَأَنّي لَم أسمَع هذِهِ الآيَةَ» !
أ ترى أن عمر كان لا يعلم حقّا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد مات ؟ !
ذهب البعض إلى ذلك وقال : كان لا يعلم حقّا . بعبارة اُخرى : كان يعتقد أنّه لا يموت ، بل هو خالد (شرح نهج البلاغة : ج ۱۲ ص ۱۹۵) . ويتبيّن من هذَا أنّ القائلين به غير واعين لِلُّعَب السياسيّة وتهيئة الأجواء !
وذهب البعض الآخر إلى أنّه كان يعلم جيّدا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله فارق الحياة ، ولن يكون بعدها بين ظهرانَيِ المسلمين ، لكنّ التفكير بالمصلحة ، والتخطيط للمستقبل جعلاه يتّخذ هذَا الموقف ليمهّد الأرضيّة من أجل التحرّك لإزالة منافسيه السياسيّين من الساحة . وتبنّى ابنُ أبي الحديد هذَا الرأي ، وذهب إلى أنّه فعل ذلك منعا لفتنةٍ قد يثيرها الأنصار أو غيرهم حول الإمامة . كتب ابن أبي الحديد قائلاً :
«ونَحنُ نَقولُ : إنَّ عُمَرَ أجَلُّ قَدرا مِن أن يَعتَقِدَ ما ظَهَرَ عَنهُ في هذِهِ الواقِعَةِ ، ولكِنَّهُ لَمّا عَلِمَ أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَد ماتَ ، خافَ مِن وُقوعِ فِتنَةٍ فِي الإِمامَةِ وتَقَلُّبِ أقوامٍ عَلَيها ، إمّا مِنَ الأَنصارِ أو غَيرِهِم . . . فَاقتَضَتِ المَصلَحَةُ عِندَهُ تَسكينَ النّاسِ بِأَن أظهَرَ ما أظهَرَهُ مِن كَونِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لَم يَمُت ... إلى أن جاءَ أبو بَكرٍ ـ وكانَ غائِبا بِالسُّنحِ ، وهُوَ مَنزِلٌ بَعيدٌ عَنِ المَدينَةِ ـ فَلَمَّا اجتَمَعَ بِأَبي بَكرٍ قَوِيَ بِهِ جَأشُهُ ، وَاشتَدَّ بِهِ أزرُهُ ، وعَظُمَ طاعَةُ النّاسِ لَهُ ومَيلُهُم إلَيهِ ، فَسَكَتَ حينَئِذٍ عَن تِلكَ الدَّعوَى الَّتي كانَ ادَّعاها» (شرح نهج البلاغة : ج ۲ ص ۴۲) .
نظرا إلى القرائن التاريخيّة ، ومواقف هذين الرجلين ، وسكوت عمر المطلق بعد وصول أبي بكر وكان قد أثار ما أثار من الضجيج واللغط ، كلّ اولئك لا يَدَع مجالاً للشّك في أنّ موقف عمر كان تحرّكا سياسيّا للتمهيد من أجل الشيء الَّذي امتنع بسببه من الذهاب مع جيش اُسامة ، مخالفا لنصّ نبوي صريح وأمر رسالي أكيد . وكان النبيّ صلى الله عليه و آله نفسه يتحدّث عن نهاية حياته ، وأبلغ الجميع بذلك . وكان عمر قبل هذَا الوقت وحين منع من كتابة الوصيّة يردّد شعار «حَسبُنا كِتابُ اللّه ِ» ، أي: إنّ كلمة «حسبنا ...» تتحقّق بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ويمكن القول مبدئيّا إنّ نصّ القرآن الكريم على وفاته وعدم خلوده صلى الله عليه و آله يدلّ على أنّ نفي وفاته لم يكن عقيدةً راسخةً يتبنّاها المؤمنون قطّ ، وأوضح من ذلك كلّه كلام عمر نفسه عندما نصب أبا بكر في الخلافة وأجلسه على عرشها ، فقد صرّح بخطأ مقاله ووهنه قائلاً: «أمّا بَعدُ ، فَإِنّي قُلتُ لَكُم أمسِ مَقالةً لَم تَكُن كَما قُلتُ . وإنّي وَاللّه ِ ما وَجَدتُها في كِتابٍ أنزَلَهُ اللّه ُ ولا في عَهدٍ عَهِدَهُ إلَيَّ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، ولكِنّي كُنتُ أرجو أن يَعيشَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ـ فَقالَ كَلِمَةً يُريدُ ـ حَتّى يَكونَ آخِرَنا ، فَاختارَ اللّه ُ لِرَسولِهِ الَّذي عِندَهُ عَلَى الَّذي عِندَكُم ، وهذَا الكِتابُ الَّذي هَدَى اللّه ُ بِهِ رَسولَكُم ، فَخُذوا بِهِ تَهتَدوا لِما هَدى لَهُ رَسولَ اللّه ِ» (الطبقات الكبرى : ج۲ ص۲۷۱) .
إنّ هذا كلّه يدلّ على أنّه كان يمهّد الأرضيّة للقبض على السّلطة ، ويهيّئ الاُمور لخلافةِ أبي بكر حتّى يتسنّى له أن يحكم بعده . وما أبلغ كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حين قال له :
«اُحلُب حَلبا لَكَ شَطرُهُ» .