265
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

وبَعَثَ أبو ذَرٍّ إلى جَمَلٍ لَهُ ، فَحَمَلَ عَلَيهِ امرَأَتَهُ ، وقيلَ : ابنَتَهُ . وأمَرَ عُثمانُ أن يَتَجافاهُ النّاسُ حَتّى يَسيرَ إلَى الرَّبَذَةِ .
فَلَمّا طَلَعَ عَنِ المَدينَةِ ـ ومَروانُ يُسَيِّرُ]هُ[ عَنها ـ طَلَعَ عَلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، ومَعَهُ ابناهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ ، وعَقيلٌ أخوهُ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ ، وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ .
فَاعتَرَضَ مَروانُ ، فَقالَ : يا عَلِيُّ ، إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ قَد نَهَى النّاسَ أن يَصحَبوا أبا ذَرٍّ في مَسيرِهِ ويُشَيِّعوهُ ، فَإِن كُنتَ لَم تَدرِ بِذلِكَ فَقَد أعلَمتُكَ !
فَحَمَلَ عَلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ بِالسَّوطِ ، وضَرَبَ بَينَ اُذُنَي راحِلَتِهِ ، وقالَ : تَنَحَّ ، نَحّاكَ اللّهُ إلَى النّارِ . ومَضى مَعَ أبي ذَرٍّ فَشَيَّعَهُ ، ثُمَّ وَدَّعَهُ وَانصَرَفَ .
فَلَمّا أرادَ عَلِيٌّ الاِنصِرافَ بَكى أبو ذَرٍّ ، وقالَ : رَحِمَكُمُ اللّهُ أهلَ البَيتِ ، إذا رَأيتُكَ يا أبَا الحَسَنِ ووُلدَكَ ذَكَرتُ بِكُم رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله .
فَشَكا مَروانُ إلى عُثمانَ ما فَعَلَ بِهِ عَلِيّ بنُ أبي طالِبٍ ، فقالَ عُثمانُ : يا مَعشَرَ المُسلِمينَ ! مَن يَعذِرُني مِن عَلِيٍّ ؟ رَدَّ رَسولي عَمّا وَجَّهتُهُ لَهُ ، وفَعَلَ كَذا ، وَاللّهِ لَنُعطِيَنَّهُ حَقَّهُ !
فَلَمّا رَجَعَ عَلِيٌّ اِستَقبَلَهُ النّاسُ ، فَقالوا لَهُ : إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عَليكَ غَضبانُ ؛ لِتَشييعِكَ أبا ذَرٍّ . فَقالَ عَلِيٌّ : «غَضَبُ الخَيلِ عَلَى اللُّجُمِ» .
فَلَمّا كانَ بِالعَشِيِّ جاءَ إلى عُثمانَ ، فَقالَ لَهُ : ما حَمَلَكَ عَلى ما صَنَعتَ بِمَروانَ ! ولِمَ اجتَرَأتَ عَلَيَّ ، ورَدَدتَ رَسولي وأمري ؟ !
قالَ : أمّا مَروانُ ؛ فَإِنَّهُ استَقبَلَني يَرُدُّني ، فَرَدَدتُهُ عَن رَدّي . وأمّا أمرُكَ فَلَم أرُدَّهُ .
قال عُثمانُ : أ لَم يُبلِغكَ أنّي قَد نَهَيتُ النّاسَ عَن أبي ذَرٍّ وعَن تَشييعِهِ ؟
فَقالَ عَلِيٌّ : أوَكُلُّ ما أمَرتَنا بِهِ مِن شَيءٍ نَرى طاعَةَ اللّهِ وَالحَقَّ في خِلافِهِ اتَّبَعنا فيهِ أمرَكَ ! ! بِاللّهِ لا نَفعَلُ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
264

يَتلِفَ ، فَقيلَ لَهُ : إنَّكَ تَموتُ مِن ذلِكَ . فَقالَ : هَيهاتَ ، لَن أموتَ حَتّى اُنفى . وذَكَرَ جَوامِعَ ما يَنزِلُ بِهِ بَعدُ ، ومَن يَتَوَلّى دَفنَهُ .
فَأَحسَنَ إلَيهِ في دارِهِ أيّاما ، ثُمَّ دَخَلَ إلَيهِ فَجَلَسَ عَلى رُكبَتَيهِ ، وتَكَلَّمَ بِأَشياءَ ، وذَكَرَ الخَبَرَ في وُلدِ أبِي العاصِ : «إذا بَلَغوا ثَلاثينَ رَجُلاً اِتَّخَذوا عِبادَ اللّهِ خَوَلاً» . . . وكانَ في ذلِكَ اليَومِ قَد اُتِيَ عُثمانُ بِتَرَكَةِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ الزُّهرِيِّ مِنَ المالِ ، فَنُثِرَتِ البِدَرُ حَتّى حالَت بَينَ عُثمانَ وبَينَ الرَّجُلِ القائِمِ ، فَقالَ عُثمانُ : إنّي لَأَرجو لِعَبدِ الرَّحمنِ خَيرا ؛ لِأَنَّهُ كانَ يَتَصَدَّقُ ، ويُقرِي الضَّيفَ ، وتَرَكَ ما تَرَونَ .
فَقالَ كَعبُ الأَحبارِ : صَدَقتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَشالَ أبو ذَرٍّ العَصا ، فَضَرَبَ بِها رَأسَ كَعبٍ ، ولَم يَشغَلهُ ما كانَ فيهِ مِنَ الأَلَمِ ، وقالَ : يَابنَ اليَهودِيِّ تَقولُ لِرَجُلٍ ماتَ وتَرَكَ هذَا المالَ : إنَّ اللّهَ أعطاهُ خَيرَ الدُّنيا وخَيرَ الآخِرَةِ ، وتَقطَعُ عَلَى اللّهِ بِذلِكَ ! وأنَا سَمِعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «ما يَسُرُّني أن أموتَ وأدَعَ ما يَزِنُ قيراطا» ! !
فَقالَ لَهُ عُثمانُ : وارِ عَنّي وَجهَكَ . فَقالَ : أسيرُ إلى مَكَّةَ ؟ قالَ : لا وَاللّهِ . قالَ : فَتَمنَعُني مِن بَيتِ رَبّي أعبُدُهُ فيهِ حَتّى أموتَ ؟ قالَ : إي وَاللّهِ .
قالَ : فَإِلَى الشّامِ ؟ قالَ : لا وَاللّهِ .
قالَ : البَصرَةِ ؟ قالَ : لا وَاللّهِ ، فَاختَر غَيرَ هذِهِ البُلدانِ .
قالَ : لا واللّهِ ، ما أختارُ غيرَ ما ذَكَرتُ لَكَ ، ولَو تَرَكتَني في دارِ هِجرَتي ما أرَدتُ شَيئا مِنَ البُلدانِ ، فَسَيِّرني حَيثُ شِئتَ مِنَ البِلادِ .
قالَ : فَإِنّي مُسَيِّرُكَ إلَى الرَّبَذَةِ . قالَ : اللّهُ أكبَرُ ! صَدَقَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ قَد أخبَرَني بِكُلِّ ما أنَا لاقٍ .
قالَ عُثمانُ : وما قالَ لَكَ ؟ ! قالَ : أخبَرَني بِأَنّي اُمنَعُ عَن مَكَّةَ وَالمَدينَةِ ، وأموتُ بِالرَّبَذَةِ ، ويَتَوَلّى مُواراتي نَفَرٌ مِمَّن يَرِدونَ مِنَ العِراقِ نَحوَ الحِجازِ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 396196
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي