وقالت عائشة قولها المشهور فيه إبّان تلك الأحداث :
«اُقتُلوا نَعثَلاً ، قَتَلَ اللّهُ نَعثَلاً» .
وتناقلت الألسن قولها هذا ، واشتهر في الآفاق بعد ذلك التاريخ .
ويبدو أنّ عثمان قد أفاق بعدئذٍ من نومه الثقيل الَّذي كانت بطانته قد فرضته عليه من قبل ، وشعر بالخطر . من هنا ، طلب من الإمام عليه السلام أن يصرف الثوّار عن أهدافهم ، وعاهده على تغيير سياسته ، والعمل كما يريدون ، فتكلّم الامام عليه السلام معهم وأقنعهم بفكّ الحصار عنه ، ووعدهم عثمان بتلبية طلباتهم وألّا يكرّر النهج الَّذي كان قد سلكه من قبل وأن يعمل بكتاب اللّه تعالى ، وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله . . .
وخطب عثمان خطبة أعلن فيها صراحةً توبته من فعلاته السابقة ، وقال أمام الحشد الغفير من المسلمين : «أستَغفِرُ اللّهَ مِمّا فَعَلتُ وأتوبُ إلَيهِ» .
وقال نادما ، وهو غارق في حيرته :
«فَوَاللّهِ ، لَئِن رَدَّني الحَقَّ عَبدا لَأستَنُّ بِسُنَّةِ العَبدِ ، ولَأذلنّ ذلّ العَبدِ ، ولَأكونَنَّ كالمرقوق . . .» .
وانتهى الحصار ، وعاد المصريّون إلى بلادهم مع واليهم الجديد محمّد بن أبي بكر ، وعزم سائر المسلمين على الرجوع إلى مدائنهم ، وآبَ أهل المدينة إلى دورهم وحياتهم اليوميّة . . .
لكن المؤسف أنّ هذه التوبة لم تدم طويلاً ، فقد تدخّلت البطانة الأمويّة المريضة الفكر والعمل ـ لا سيّما مروان ـ وجعلته يعدل عن قراره ، وافتعلت ضجّة ضيّقت عليه الأرض بما رحبت ، فتراجع ونقض جميع وعوده ، والثوّار لمّا يصلوا إلى أمصارهم بعد . وكان هذا التغيّر في الموقف على درجة من القبح حتّى صاحت نائلة زوجته قائلةً :