275
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

وقالت عائشة قولها المشهور فيه إبّان تلك الأحداث :
«اُقتُلوا نَعثَلاً ، قَتَلَ اللّهُ نَعثَلاً» .
وتناقلت الألسن قولها هذا ، واشتهر في الآفاق بعد ذلك التاريخ .
ويبدو أنّ عثمان قد أفاق بعدئذٍ من نومه الثقيل الَّذي كانت بطانته قد فرضته عليه من قبل ، وشعر بالخطر . من هنا ، طلب من الإمام عليه السلام أن يصرف الثوّار عن أهدافهم ، وعاهده على تغيير سياسته ، والعمل كما يريدون ، فتكلّم الامام عليه السلام معهم وأقنعهم بفكّ الحصار عنه ، ووعدهم عثمان بتلبية طلباتهم وألّا يكرّر النهج الَّذي كان قد سلكه من قبل وأن يعمل بكتاب اللّه تعالى ، وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله . . .
وخطب عثمان خطبة أعلن فيها صراحةً توبته من فعلاته السابقة ، وقال أمام الحشد الغفير من المسلمين : «أستَغفِرُ اللّهَ مِمّا فَعَلتُ وأتوبُ إلَيهِ» .
وقال نادما ، وهو غارق في حيرته :
«فَوَاللّهِ ، لَئِن رَدَّني الحَقَّ عَبدا لَأستَنُّ بِسُنَّةِ العَبدِ ، ولَأذلنّ ذلّ العَبدِ ، ولَأكونَنَّ كالمرقوق . . .» .
وانتهى الحصار ، وعاد المصريّون إلى بلادهم مع واليهم الجديد محمّد بن أبي بكر ، وعزم سائر المسلمين على الرجوع إلى مدائنهم ، وآبَ أهل المدينة إلى دورهم وحياتهم اليوميّة . . .
لكن المؤسف أنّ هذه التوبة لم تدم طويلاً ، فقد تدخّلت البطانة الأمويّة المريضة الفكر والعمل ـ لا سيّما مروان ـ وجعلته يعدل عن قراره ، وافتعلت ضجّة ضيّقت عليه الأرض بما رحبت ، فتراجع ونقض جميع وعوده ، والثوّار لمّا يصلوا إلى أمصارهم بعد . وكان هذا التغيّر في الموقف على درجة من القبح حتّى صاحت نائلة زوجته قائلةً :


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
274

أيضا بتأمير أقاربه على الأمصار ، وإسرافه الفاضح من بيت المال . فأثار عمله هذا صحابة النبيّ صلى الله عليه و آله منذ البداية ، بَيْد أنّ المعارضة العامّة والنهوض والتحرّك الجماعي ضدّه حدثت في السنين الستّ الأخيرة من حكومته . ۱
في سنة (33 ه ) أقدم عثمان على نفي ثلّة من كبار أهل الكوفة وصالحيهم ، وكان فيهم بعض الصحابة أيضا . وبعد مدّة ثار الكوفيّون في سنة (34 ه ) مطالبين بعزل سعيد بن العاص والي الكوفة ، فلم يُصغِ عثمان إلى طلبهم ، فحالوا دون دخوله مدينتهم مقاوِمين . فاضطرّ عثمان بعدئذ إلى عزله راضخا لمطالبهم ـ وكان سعيد من أقربائه ـ وعيّن مكانه أبا موسى الأشعري الَّذي كان يرتضيه أهل الكوفة . وفي تلك السنة تراسل الصحابة وخطّطوا للثورة على عثمان طاعنين بتصرّفاته الشاذّة . وممّا جاء في مراسلاتهم قولهم :
«إن كُنتُم تُريدونَ الجِهادَ فَعِندَنا الجِهادُ» .
وبلّغ أمير المؤمنين عليه السلام عثمان احتجاجات الصحابة ، ووعظه باُسلوب ليّن لعلّه يثوب إلى رشده ، ويغيّر منهجه في الحكم ، ويستقيم على الطريقة ، لكنّه لم يستجب وخطب خطبة شديدة اللهجة عنّف فيها المعترضين ولجأ فيها إلى التهديد .
وكتب طلحة وبعض الصحابة الآخرين كتابا إلى أهل مصر وغيرها من الأمصار الإسلاميّة يَدْعونهم فيها إلى الثورة على عثمان . وفي أعقاب هذه الدعوة وسواها ، ونتيجةً لجميع ضروب الشذوذ ، وعدم اعتناء عثمان باحتجاجات النّاس وانتقاداتهم تقاطر على المدينة جماعات مختلفة من مصر ، والكوفة ، والبصرة ، وحاصروا عثمان يؤازرهم عدد من الصحابة ، وطالبوه بكلّ حزم أن يعتزل الحكم . وكان لعائشة ، وطلحة بن عبيد اللّه ، وعمرو بن العاص دور مهمّ في إلهاب الثورة عليه .

1.تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۶۳ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 302488
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي