283
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

رضخ في أعقاب ذلك لإرادة مروان ، وأصدر أمره بقتل ونفي وتعذيب الثوّار الوافدين من هناك .
لقد كان مروان هو الَّذي يُملي على عثمان ما يريد ، وكان يسعى في جرّه إلى اتّخاذ مواقف متزمّتة ، حتّى إنّ زوجته نائلة بنت الفرافصة قالت له :
«فَإِنَّهُم وَاللّهِ قاتِلوهُ ومُؤَثِّموهُ . . . وقَد أطَعتَ مَروانَ يَقودُكَ حَيثُ شاءَ» .
وكان سائر مستشاري عثمان من هذا القبيل ؛ فعندما جمعهم للتشاور معهم في أمر سخطِ النّاس عليه ، أشار عليه معاوية باستخدام القوّة ضدّهم لإسكاتهم ، فيما أشار عليه عبد اللّه بن عامر قائلاً : «أن تَأمُرَهُم بِجِهادٍ يَشغَلُهُم عَنكَ ، وأن تُجَمِّرَهُم فِي المَغازي حَتّى يَذلّوا لَكَ ، فَلا يَكون هِمَّةُ أحَدِهِم إلّا نَفسهُ» .
أمّا سعيد بن العاص فقد أشار عليه قائلاً :
«إنَّ لِكُلِّ قَومٍ قادَةً مَتى تَهلُكُ يَتَفَرَّقوا ، ولا يَجتَمِعُ لَهُم أمرٌ» .
وعرض عليه معاوية في هذا المجال أن يقتل عليّا وطلحة والزبير .
فإذا وُجدت كلّ هذه القلوب الفاسدة والنفوس المريضة والتوجّهات الجائرة المثيرة للسخط ، فما الداعي بعدئذٍ للتساؤل عن أسباب تبلور تلك الثورة ؟
إنّ الشخص الوحيد الَّذي كان يُشير حينذاك على عثمان باخلاص رغبة في صيانة هويّة الاُمّة الإسلاميّة ، ويحذّره من عواقب الاُمور ، ويسعى ـ رغم كلّ ما نزل به من ظلم ـ إلى أن لا تصل الاُمور إلى هذا الحدّ ، هو الإمام عليّ عليه السلام . وياليت عثمان كان يُصغي لنصائحه ويَفي بالعهود الَّتي قطعها على نفسه للنّاس .
وللإمام عليّ عليه السلام كلام جميل عن موقفه أزاء تلك الأحداث ، وعن موقف بطانة عثمان ، جاء في بعض منه :
«وَاللّهِ ما زِلتُ أذُبُّ عَنهُ حَتّى إنّي لَأَستَحي ، ولكِنَّ مَروانَ ومُعاوِيَةَ وعَبدَ اللّهِ بنَ


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
282

الاشارة إلى كيفيّة اختياره للأفراد ، فالمقرّبون منه ؛ أي بطانته ، ما كانوا يحظون بمكانة اجتماعيّة ولا بوجاهةٍ دينيّة .
أضف إلى كلّ ذلك أنّ الخليفة كان شخصا عديم الإرادة وضعيفا أمام آراء بطانته ، كما أنّ مستشاريه لم يكونوا على فكر صائب ؛ ولا هم من أهل الدين والتقوى .
ومن البديهي ـ والحال هذه ـ أنّ جميع آرائهم الَّتي كانوا يفرضونها على عثمان كانت تصبّ في صالح أهوائهم وفي اتّجاه الصدام مع الثائرين ، وليس في صالح الاُمّة والخلافة والخليفة .
فالبطانة الَّتي كانت مقرّبة من عثمان لم تكن على علاقات طيّبة مع الأنصار ، وليس لها مواقف حسنة مع المهاجرين . وهكذا فقد ساقت عثمان في اتّجاه انتهى بمقتله .
يقول شيخ سياستهم أبو سفيان الَّذي اشتهر صيت عدائه للإسلام في الآفاق :
«إنَّ الأَمرَ أمر عالَمِيَّة ، وَالمُلكَ مُلك جاهِلِيَّة ، فَاجعَل أوتادَ الأَرضِ بَني اُمَيَّةَ» .
حسنا ، لقد فعل عثمان ذلك . ولكن إلى أين وصلوا به ؟
لقد كانت جميع الأعمال الَّتي تُفعل باسم عثمان ، بيد مروان ، وهو ذلك الشابّ الَّذي لم يكن يعرف شيئا من تعاليم الإسلام ، وكان طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وبعدما عاد من منفاه ووطأت قدمه أرض المدينة أفرغ ما في قلبه من حقد متراكم خلال تلك السنين ، في ظلّ السلطة الَّتي منحها إيّاه خليفة المسلمين ، فأخذ يوجّه الإهانات لجميع المهاجرين والأنصار ، وكان لعمله ذاك تأثير واضح في إثارتهم ضدّ عثمان .
أصبح الخليفة أداة طيّعة بيد مروان بن الحكم ، سواء عندما أعلن توبته أمام الملأ ، وأرغمه مروان على نقض توبته ، أم عندما وافق على عزل والي مصر ، لكنّه

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 406285
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي