رضخ في أعقاب ذلك لإرادة مروان ، وأصدر أمره بقتل ونفي وتعذيب الثوّار الوافدين من هناك .
لقد كان مروان هو الَّذي يُملي على عثمان ما يريد ، وكان يسعى في جرّه إلى اتّخاذ مواقف متزمّتة ، حتّى إنّ زوجته نائلة بنت الفرافصة قالت له :
«فَإِنَّهُم وَاللّهِ قاتِلوهُ ومُؤَثِّموهُ . . . وقَد أطَعتَ مَروانَ يَقودُكَ حَيثُ شاءَ» .
وكان سائر مستشاري عثمان من هذا القبيل ؛ فعندما جمعهم للتشاور معهم في أمر سخطِ النّاس عليه ، أشار عليه معاوية باستخدام القوّة ضدّهم لإسكاتهم ، فيما أشار عليه عبد اللّه بن عامر قائلاً : «أن تَأمُرَهُم بِجِهادٍ يَشغَلُهُم عَنكَ ، وأن تُجَمِّرَهُم فِي المَغازي حَتّى يَذلّوا لَكَ ، فَلا يَكون هِمَّةُ أحَدِهِم إلّا نَفسهُ» .
أمّا سعيد بن العاص فقد أشار عليه قائلاً :
«إنَّ لِكُلِّ قَومٍ قادَةً مَتى تَهلُكُ يَتَفَرَّقوا ، ولا يَجتَمِعُ لَهُم أمرٌ» .
وعرض عليه معاوية في هذا المجال أن يقتل عليّا وطلحة والزبير .
فإذا وُجدت كلّ هذه القلوب الفاسدة والنفوس المريضة والتوجّهات الجائرة المثيرة للسخط ، فما الداعي بعدئذٍ للتساؤل عن أسباب تبلور تلك الثورة ؟
إنّ الشخص الوحيد الَّذي كان يُشير حينذاك على عثمان باخلاص رغبة في صيانة هويّة الاُمّة الإسلاميّة ، ويحذّره من عواقب الاُمور ، ويسعى ـ رغم كلّ ما نزل به من ظلم ـ إلى أن لا تصل الاُمور إلى هذا الحدّ ، هو الإمام عليّ عليه السلام . وياليت عثمان كان يُصغي لنصائحه ويَفي بالعهود الَّتي قطعها على نفسه للنّاس .
وللإمام عليّ عليه السلام كلام جميل عن موقفه أزاء تلك الأحداث ، وعن موقف بطانة عثمان ، جاء في بعض منه :
«وَاللّهِ ما زِلتُ أذُبُّ عَنهُ حَتّى إنّي لَأَستَحي ، ولكِنَّ مَروانَ ومُعاوِيَةَ وعَبدَ اللّهِ بنَ