319
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

4 . سياسة الرفق

تكمن واحدة من النقاط الأساسيّة في المنهج الاجتماعي للحكم العلوي بمبدأ مداراة النّاس ، وكيفيّة تعاطي المسؤولين الحكوميين مع الشعب . فعلى عكس الساسة المحترفين الَّذين يسعَون إلى أن يكون رضا الخاصَة ثمناً لهضم حقوق الجماهير العريضة وسخطها ، تقوم سياسة الإمام أمير المؤمنين على مبدأ إرضاء القاعدة الشعبيّة العريضة ، ولو كان في ذلك سخط الخاصّة وعدم رضاها ، حيث يقول عليه السلام : «إنَّ سُخطَ العامَّةِ يُجحِفُ بِرِضَى الخاصَّةِ ، وإنَّ سُخطَ الخاصَّةِ يُغتَفَرُ مَعَ رِضَى العامَّةِ» .
في الاتّجاه إلى تحقيق سياسة الرفق وكسب رضا الجمهور ، أوصى الإمام ولاته أن يتعاملوا مع النّاس بمودّة وعطف ، وأن تكون لهم صلة مباشرة بالشعب ، بحيث يلتقون مع أفراده وجهاً لوجه ، ويُصغون إلى مشكلاتهم مباشرة من دون واسطة ، وأن يتحمّلوا منهم سوء الخلق ، ويصبروا على ما يبدر منهم من سوء وتصرّفات غير لائقة .
كما حثَّ عليه السلام ولاته أن لا يُقطبوا بوجه النّاس ولا يلقوهم بوجوه مكفهرّة ، ولا يسيئوا الظنّ بهم . كما نهاهم عن التجسس فيما يتصل بدائرة الأحوال الشخصيّة ، وأن لا يدقّقوا في الذنوب الَّتي اقترفها الأفراد بعيداً عن عيون الآخرين .
من النقاط المهمّة الاُخرى الَّتي حرص الإمام على إيصاء الولاة بها لجهة سياسة الرفق بالناس ، ضرورة إدلاء الولاة بالتوضيحات اللازمة في كلّ ما يمكن أن يكون باعثاً لسوء ظنّ الشعب ، وسبباً في اتّهام الولاة بغمط حقوق الجمهور والتجاوز عليها ؛ ففي منهج الإمام لا يجوز الاستخفاف بحالة سوء الظنّ الَّتي تبرز لدى الجمهور ، بل ينبغي للولاة والمسؤولين أن يدلوا إلى الشعب بصدق وتواضع بدلائل أعمالهم ، ويوضّحوا لهم أسباب ما أقدموا عليه .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
318

حَيفَ رُعاتِها ، فَإِنَّنِي اليَومَ لَأَشكو حَيفَ رَعِيَّتي» .
وهكذا مضى عليّ وقد اصطحب العدالة معه ، وهذه هي مسؤوليتنا حاضراً في أن نتعلّم من اُولئك ونأخذ العبرة منهم ، ونوطّئ الأرضيّة المطلوبة لاستقرار العدالة الاجتماعيّة .

3 . تنمية الحرّيات المشروعة والبنّاءة

تأتي الحرّية خطوة اُولى في سبيل تحقيق العدالة واحترام حقوق الاُمّة ، بيدَ أنّ المراد منها هو الحريّة البنّاءة لا الهدّامة ، حريّة الانعتاق من أسار القيود الداخليّة (الذاتيّة) والأغلال الخارجيّة . هذه الحرّية هي نفسها الَّتي دعا القرآن إليها النّاس ، في قوله سبحانه : «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَْغْلَـلَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ» . وهي ذاتها الَّتي عناها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وعدّها بمنزلة فلسفة بعثة النبيّ صلى الله عليه و آله ، وهو يقول : «إنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً لِيُخرِجَ عِبادَهُ مِن عِبادَةِ عِبادِهِ إلى عِبادَتِهِ ... وَمِن وِلايَةِ عِبادِهِ إلى وِلايَتِهِ» .
في المنهج العلوي النّاس أحرار بأجمعهم ولا يسوغ أن يكونوا عبيد غيرهم ، وأنّ ما يجرّ الإنسان إلى نير العبوديّة ، ويدفع الأنظمة إلى التجبّر والتسلّط والطغيان ، هي الأغلال الداخليّة والعبوديّة الباطنيّة . فإذا ما أراد المجتمع الإنساني أن يرتقي ذرى الحرّية ، ويبلغ الاستقلال الحقيقي ، فيتحتّم عليه في البدء أن يُحكم الارتباط باللّه ، ويقوم بشروط العبوديّة للّه بحسب تعبير الإمام أمير المؤمنين .
إنّ شروط العبوديّة للّه هي في الحقيقة قوانين الحرّية الواقعيّة للناس ، وإذا لم تذعن الإنسانيّة إلى هذه الشروط ، فستغدو حرّيتها واستقلالها الخارجي حالة مؤقّتة ؛ وهي عائدة إلى العبوديّة حتماً .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 394337
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي