استيصالهم والقضاء عليهم تدريجيّاً ، كما يعرف أيضاً كيف يخدع الشعب ، ويُغريه بأنّ حقوقه الواقعيّة سوف تتأمّن ، وأنّه سوف يحترم القيم الإسلاميّة ، على حين ينهج في العمل سبيلاً آخر ، ليرسّخ بذلك قواعد حكمه ويحافظ على استقراره .
ولو أنّ ذلك قد حصل ، لما كان عليُّ بن أبي طالب عندئذٍ ، هو عليَّ بن أبي طالب ، بل لكان رجل سياسة محترف مثله كمثل بقيّة السياسيّين المحترفين في التاريخ ، له اُسوة بهم وهم يتّخذون السياسة أداة لفرض السلطة على النّاس ، لا أن تكون وسيلة لإقامة الحقّ وتأمين حقوق المجتمع .
لم يكن لحركة الإصلاح العلوي من هدف سوى إحياء منهج الحكم النبوي ، ومن ثَمّ لم يكن بمقدورها أن تتحرّك على اُسس غير مبدئيّة ، مناهضة للقيم والدين وكلّ ما هو غير إنساني . من هذا المنطلق راحت هذه الحركة الإصلاحيّة تواجه ذات العقبات والمشكلات الَّتي اصطدم بها الحكم النبوي . ۱
لكن الإمام استطاع من خلال تحمله كافّة المشكلات ، أن يُعيد في التاريخ الإسلامي ـ ولمرّة أخرى ـ المعالم الوضّاءة لمنهج الحكم النبوي ، وأن يُعلّم الآخرين ممّن يأتي في المستقبل منهج حكومة القلوب .
لكن ينبثق هنا سؤال أساسي ، فحواه : إذا كان النهج الَّذي اختاره الإمام لإدارة الاجتماع السياسي ممكناً وعمليّاً من خلال الاُصول الَّتي مرّت الإشارة إليها ، فلماذا راحت أكثريّة النّاس تبتعد عن رجل سياسة كعليّ نهض بتنفيذ هذا المنهج ، مع أنّه عليه السلام كان قد وصل إلى السلطة بحماية عامّة من الجمهور نفسه عبر عمليّة انتخابيّة حرّة ؟ ولماذا انفضّت عنه بعد مرور مدّة قصيرة على حكمه ، بحيث أمضى الأشهر الأخيرة من حياته وحيداً فريداً ؟