دافع ابن أبي الحديد عن هذه السياسة بالتفصيل ، ونحن نورد النقاط المهمّة فيها :
استدلّ ابن أبي الحديد ابتداءً من خلال المصادر والوثائق التاريخيّة على أنّ معاوية ما كان يبايع الإمام في أيِّ ظُروف كانت . ثمّ أشار إلى المبادئ الدينيّة التي كان يسير عليها الإمام في تعيين وعزل الولاة والعمال . ثمّ أورد في ختام المطاف تحليلاً رصينا لعالم يدعى ابن سنان بيّن فيه عدم امكانيّة إبقاء معاوية في الظروف التي بايع فيها الناس عليّا من بعد قتل عثمان ؛ لأنّها ستجعل الإمام يواجه في أوّل حكومته أوضاعا كالتي انتهى إليها عثمان في اُواخر حكمه .
1 . إبقاء معاوية في منصبه لا يدعوه إلى البيعة
نقل ابن أبي الحديد فيما يخصّ انتقاد سياسة الإمام بعزل معاوية :
منها قولهم : لو كان حين بويع له بالخلافة في المدينة أقرّ معاوية على الشام إلى أن يستقرّ الأمر له ويتوطّد ويبايعه معاوية وأهل الشام ثمّ يعزله بعد ذلك ، لكان قد كُفي ما جرى بينهما من الحرب .
والجواب : إنّ قرائن الأحوال حينئذٍ قد كان علم أمير المؤمنين عليه السلام منها أنّ معاوية لا يبايع له وإن أقرّه على ولاية الشام ، بل كان إقراره له على إمرة الشام أقوى لحال معاوية وآكد في الامتناع من البيعة ؛ لأنّه لا يخلو صاحب السؤال إمّا أن يقول : كان ينبغي أن يطالبه بالبيعة ويقرن إلى ذلك تقليده بالشام فيكون الأمران معا ، أو يتقدّم منه عليه السلام المطالبة بالبيعة ، أو يتقدّم منه اقراره على الشام وتتأخّر المطالبة بالبيعة إلى وقت ثانٍ .
فإن كان الأوّل فمن الممكن أن يقرأ معاوية على أهل الشام تقليده بالإمرة فيؤكّد حاله عندهم ، ويقرّر في أنفسهم : لولا أنّه أهل لذلك لما اعتمده عليّ عليه السلام معه ، ثمّ يماطله بالبيعة ويحاجزه عنها .