477
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

الحَنيفِيَّةِ .
فَلَمَّا استَوثَقَ الإِسلامُ وضَرَبَ بِجِرانِهِ ۱ عَدَوتَ عَلَيهِ فَبَغَيتَهُ الغَوائِلَ ونَصَبتَ لَهُ المَكايِدَ ، وضَرَبتَ لَهُ بَطنَ الأَمرِ وظَهرَهُ ودَسَستَ عَلَيهِ وأغرَيتَ بِهِ ، وقَعَدتَ حَيثُ استَنصَرَكَ عَن نَصرِهِ وسَأَلَكَ أن تُدرِكَهُ قَبلَ أن يُمَزَّقَ فَما أدرَكتَهُ ، وما يَومُ المُسلِمينَ مِنكَ بِواحِدٍ .
لَقَد حَسَدتَ أبا بَكرٍ وَالتَوَيتَ عَلَيهِ ورُمتَ إفسادَ أمرِهِ ، وقَعَدتَ في بَيتِكَ ، وَاستَغوَيتَ عِصابَةً مِنَ النّاسِ حَتّى تَأَخَّروا عَن بَيعَتِهِ ، ثُمَّ كَرِهتَ خِلافَةَ عُمَرَ وحَسَدتَهُ وَاستَطَلتَ مُدَّتَهُ ، وسُرِرتَ بِقَتلِهِ وأظهَرتَ الشَّماتَةَ بِمُصابِهِ حَتّى إنَّكَ حاوَلتَ قَتلَ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ قاتِلَ أبيهِ ، ثُمَّ لَم تَكُن أشَدَّ مِنكَ حَسَدا لِابنِ عَمِّكَ عُثمانَ نَشَرتَ مَقابِحَهُ وطَوَيتَ مَحاسِنَهُ ، وطَعَنتَ في فِقهِهِ ثُمَّ في دينِهِ ثُمَّ في سيرَتِهِ ثُمَّ في عَقلِهِ ، وأغرَيتَ بِهِ السُّفَهاءَ مِن أصحابِكَ وشيعَتِكَ حَتّى قَتَلوهُ بِمَحضَرٍ مِنكَ لا تَدفَعُ عَنهُ بِلِسانٍ ولا يَدٍ ، وما مِن هؤُلاءِ إلّا مَن بَغَيتَ عَلَيهِ وتَلَكَّأتَ في بَيعَتِهِ حَتّى حُمِلتَ إلَيهِ قَهراً تُساقُ بِخَزائِمِ ۲ الاِقتِسارِ كَما يُساقُ الفَحلُ المَخشوشُ ، ثُمَّ نَهَضتَ الآنَ تَطلُبُ الخِلافَةَ ، وقَتَلَةُ عُثمانَ خُلَصاؤُكَ وسُجَراؤُكَ والمُحدِقونَ بِكَ ، وتِلكَ مِن أمانِيِّ النُّفوسِ وضَلالاتِ الأَهواءِ .
فَدَعِ اللَّجاجَ وَالعَبَثَ جانِباً وَادفَع إلَينا قَتَلَةَ عُثمانَ ، وأَعِدِ الأَمرَ شورى بَينَ المُسلِمينَ لِيَتَّفِقوا عَلى مَن هُوَ للّهِِ رِضاً . فَلا بَيعَةَ لَكَ في أعناقِنا ولا طاعَةَ لَكَ عَلَينا ولا عُتبى لَكَ عِندَنا ، ولَيسَ لَكَ ولِأَصحابِكَ عِندي إلَا السَّيفُ ، وَالَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ لَأَطلُبَنَّ قَتَلَةَ عُثمانَ أينَ كانوا وحَيثُ كانوا حَتّى أقتُلَهُم أو تَلتَحِقَ روحي بِاللّهِ .

1.الجِرَان : باطن العُنُق . ومنه حديث عائشة «حتى ضربَ الحقُّ بِجرَانِه» أي قَرَّ قَرارُه واستقام ، كما أنّ البعير إذا برَك واستراح مدّ عُنُقَه على الأرض (النهاية : ج۱ ص۲۶۳) .

2.الخِزَام : جمع خِزامة ، وهي حَلقة من شعر تُجعل في أحد جانبي مَنخِرَي البعير (النهاية : ج۲ ص۲۹) .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
476

فَلَمّا كَتَبَ ذلِكَ الكِتابَ مَعَ أبي مُسلِمٍ الخَولانِيِّ قَصَدَ أن يُغضِبَ عَلِيّاً ويُحرِجَهُ ويُحوِجَهُ إذا قَرَأَ ذِكرَ أبي بَكرٍ وأنَّهُ أفضَلُ المُسلِمينَ إلى أن يَخلِطَ خَطَّهُ فِي الجَوابِ بِكَلِمَةٍ تَقتَضي طَعناً في أبي بَكرٍ ، فَكانَ الجَوابُ مُجَمجَماً غَيرَ بَيِّنٍ لَيسَ فيهِ تَصريحٌ بِالتَّظليمِ لَهُما ولَا التَّصريحُ بِبَراءَتِهِما وتارَةً يَتَرَحَّمُ عَلَيهِما وتارَةً يَقولُ : أخَذا حَقّي وقَد تَرَكتُهُ لَهُما .
فَأَشارَ عَمرُو بنُ العاصِ عَلى مُعاوِيَةَ أن يَكتُبَ كِتاباً ثانِياً مُناسِباً لِلكِتابِ الأَوَّلِ ؛ لِيَستَفِزّا فيهِ عَلِيّاً عليه السلام ويَستَخِفّاهُ ، ويَحمِلَهُ الغَضَبُ مِنهُ أن يَكتُبَ كَلاماً يَتعََلَّقانِ بِهِ في تَقبيحِ حالِهِ وتَهجينِ مَذهَبِهِ .
وقالَ لَهُ عَمرٌو : إنَّ عَلِيّاً عليه السلام رَجُلٌ نَزِقٌ تَيّاهٌ ، ومَا استَطعَمتَ مِنهُ الكَلامَ بِمِثلِ تَقريظِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ فَاكتُب . فَكَتَبَ كِتاباً أنفَذَهُ إلَيهِ مَعَ أبي اُمامَةَ الباهِلِيِّ وهُوَ مِنَ الصَّحابَةِ بَعدَ أن عَزَمَ عَلى بِعثَتِهِ مَعَ أبِي الدَّرداءِ ونُسخَةُ الكِتابِ :
مِن عَبدِ اللّهِ مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ :
أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ اللّهَ تَعالى جَدُّهُ ، اصطَفى مُحَمَّدا عليه السلام لِرِسالَتِهِ وَاختَصَّهُ بِوَحيِهِ وتَأدِيَةِ شَريعَتِهِ ، فَأَنقَذَ بِهِ مِنَ العَمايَةِ وهَدى بِهِ مِنَ الغَوايَةِ ، ثُمَّ قَبَضَهُ الَيهِ رَشيداً حَميداً قَد بَلَّغَ الشَّرعَ ومَحَقَ الشِّركَ وأخمَدَ نارَ الإِفكِ ، فَأَحسَنَ اللّهُ جَزاءَهُ وضاعَفَ عَلَيهِ نِعَمَهُ وآلاءَهُ ، ثُمَّ إنَّ اللّهَ سُبحانَهُ اختَصَّ مُحَمَّدا عليه السلام بِأَصحابٍ أيَّدوهُ وآزَروهُ ونَصَروهُ ، وكانوا كَما قالَ اللّهُ سُبحانَهُ لَهُم : «أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ»۱ فَكانَ أفضَلَهُم مَرتَبَةً وأعلاهُم عِندَ اللّهِ وَالمُسلِمينَ مَنزِلَةً الخَليفَةُ الأَوَّلُ ، الَّذي جَمَعَ الكَلِمَةَ ولَمَّ الدَّعوَةَ وقاتَلَ أهلَ الرِّدَّةِ ، ثُمَّ الخَليفَةُ الثّاني الَّذي فَتَحَ الفُتوحَ ومَصَّرَ الأَمصارَ وأذَلَّ رِقابَ المُشرِكينَ ، ثُمَّ الخَليفَةُ الثّالِثُ المَظلومُ الَّذي نَشَرَ المِلَّةِ وطَبَّقَ الآفاقَ بِالكَلِمَةِ

1.الفتح : ۲۹ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 436314
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي