وقد دفع هذا الإيثار الرائع الملائكة الكروبيّين إلى الاستحسان والإعجاب به .
وباهى اللّه سبحانه ملائكته بهذا المشهد العجيب لنكران الذات ۱ ، فأنزل الآية الكريمة : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ . . .» لتخليد هذه المنقبة ، وتكريم هذا الإيثار وهذه الفضيلة الرفيعة في أروقة التاريخ .
و بعد تلك الليلة كان عليه السلام يذهب إلى غار «ثور» ليُوصل ما يحتاج إليه النبيّ صلى الله عليه و آله و رفيقه ۲ . فأوصاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بردّ الأمانات ، واللحاق به في المدينة . ۳
وبعد مدّة ترك عليه السلام مكّة قاصداً يثرب ومعه الفواطم ؛ اُمّه فاطمة بنت أسد ، والسيّدة فاطمة الزهراء ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب . فعلمت قريش بذلك ، وعزمت على منعه فبعثت ببعض فرسانها خلفه ، بيد أنّهم اصطدموا بموقفه الشجاع الجريء ورجعوا خائبين ۴ . وكان النبيّ صلى الله عليه و آله ينتظره في «قبا» ، حتى إذا لحق به ، توجّهوا نحو يثرب . ۵
۱۷.تاريخ دمشق عن أبي رافع :إنَّ عَلِيّا كانَ يُجَهِّزُ النّبِيَّ صلى الله عليه و آله حينَ كانَ بِالغارِ ويَأتيهِ بالطَّعامِ ، وَاستَأجَرَ لَهُ ثَلاثَ رَواحِلَ ؛ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ولِأَبي بَكرٍ و[لِ]دَليلِهِمُ ابنِ اُرَيقِطٍ ، وخَلَّفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، لِيُخرِجَ إلَيهِ أهلَهُ ، فَأَخرَجَهُم ۶ ، وأمَرَهُ أن يُؤَدِّيَ عَنهُ أمانَتَهُ ووَصايا مَن كانَ يوصي إلَيهِ ، وما كانَ يُؤتَمَنُ عَلَيهِ مِن مالٍ ، فَأَدّى أمانَتَهُ كُلَّها .
وأمَرَهُ أن يَضطَجِعَ عَلى فِراشِهِ لَيلَةَ خَرَجَ ، وقالَ : إنَّ قُرَيشا لَن يَفقِدوني ما رَأَوكَ ،
1.مجمع البيان : ج۲ ص۵۳۵ .
2.تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۶۸ .
3.السنن الكبرى : ج۶ ص۴۷۲ ح۱۲۶۹۷ .
4.الأمالي للطوسي : ص۴۷۰ ح۱۰۳۱ .
5.الطبقات الكبرى : ج۳ ص۲۲ .
6.في المصدر: «وخلَّفه النبيّ فخرج إليه أهله فخرج» ، والصحيح ماأثبتناه كما في بحار الأنوار والمصادر الاُخرى .