تفكيرهم بعصا التكفير . وهكذا كان الخوارج ، فهم الذين كانوا قد فرضوا التحكيم على الإمام عليه السلام غير آذِنين لأنفسهم بالتفكير فيه والتأمّل فيما ابتدعوه ولو قليلاً ، ثمّ حملوا عصا التكفير وكفّروا الإمام عليه السلام وهو الذي كان كيان الإيمان الماثل ، وصورة الحقّ المتجسّد ، ومظهر الربّانيّة الرفيعة . والعجب أنّهم قد أفتوا بقتل كلّ من لم يعتقد بعقيدتهم ، وأقدموا على ذلك عمليّا ، فقتلوا أشخاصا في هذا السبيل ۱ . وواصلوا نهجهم على هذا المنوال ، وشرّعوا التكفير ، وقالوا بكفر كلّ من يرتكب الكبيرة . ومن هنا ، لمّا سُئل أحد قادتهم ؛ وهو قطري بن الفُجاءة ، في إحدى المعارك : هل تقاتل أم لا ؟ فأجاب بالنفي ، ثمّ استدرك فعزم على القتال ، قال جنده : كَذَبَ وكَفَرَ . وعرّضوا به قائلين : «دابّة اللّه » ، فحكم عليهم بالكفر ۲ .
4 . التعصّب واللجاج
اللجاج من وحي الجهل والتعصّب الأعمى إفراز آخر من الإفرازات الخطرة للتطرّف الديني والعُجب المنبثق منه . وهكذا فالشخص المتعمّق مرتهن بحبالة الزيغ والضلال بحيث تتعذّر نجاته . من هذا المنطلق ، ولمّا اتّصف به الخوارج ، خاطبهم الإمام عليه السلام قائلاً :
«أيَّتُهَا العِصابَةُ الَّتي أخرَجَتها عَداوَةُ المِراءِ وَاللَّجاجَةِ ، وصَدَّها عَنِ الحَقِّ الهَوى ، وطَمَحَ بِهَا النَّزَقُ ۳ ، وأصبَحَت فِي اللَّبسِ وَالخَطبِ العَظيمِ» ۴ .
وهكذا «فالمتعمّقون» و «المتعصّبون» أولو اللجاجة لم ينظروا فيما يعتقدون به
1.من جملتهم عبد اللّه بن خباب بن الأرت ، وقصّته مشهورة .
2.راجع : الكامل للمبرّد : ج۳ ص۱۳۳۴ .
3.النَّزَق : خفّة في كلّ أمر وعجلة في جهل وحمق (لسان العرب : ج۱۰ ص۳۵۲) .
4.تاريخ الطبري : ج۵ ص۸۴ .