637
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

الطَّريقَ ، ويُرشِدُكُمُ السَّبيلَ ؟ ألا إنَّهُ قَد أدبَرَ مِنَ الدُّنيا ما كانَ مُقبِلاً ، وأقبَلَ مِنها ما كانَ مُدبِراً ، وأزمَعَ ۱ التَّرحالَ عِبادُ اللّهِ الأَخيارُ ، وباعوا قَليلاً مَِن الدُّنيا لا يَبقى بِكَثيرٍ مِنَ الآخِرَةِ لا يَفنى .
ما ضَرَّ إخوانَنَا الَّذينَ سُفِكَت دِماؤُهُم وهُم بِصِفّينَ ألّا يَكونُوا اليَومَ أحياءً ؟ يُسيغونَ الغُصَصَ ويَشرَبونَ الرَّنقَ ۲ . قَد ـ وَاللّهِ ـ لَقُوا اللّهَ فَوَفّاهُم اُجورَهُم ، وأحَلَّهُم دارَ الأَمنِ بَعدَ خَوفِهِم .
أينَ إخوانِيَ الَّذينَ رَكِبُوا الطَّريقَ ومَضَوا عَلَى الحَقِّ ؟ أينَ عَمّارٌ ؟ وأينَ ابنُ التَّيِّهانِ ؟ وأينَ ذُو الشَّهادَتَينِ ؟ وأينَ نُظَراؤُهُم مِن إخوانِهِمُ الَّذينَ تَعاقَدوا عَلَى المَنِيَّةِ ، واُبرِدَ بِرُؤوسِهِم إلَى الفَجَرَةِ .
قالَ : ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى لِحيَتِهِ الشَّريفَةِ الكَريمَةِ فَأَطالَ البُكاءَ ، ثُمَّ قالَ عليه السلام : أوِّهِ عَلى إخوانِيَ الَّذينَ تَلَوُا القُرآنَ فَأَحكَموهُ ، وتَدَبَّرُوا الفَرضَ فَأَقاموهُ ، أحيَوُا السُّنَّةَ وأماتُوا البِدعَةَ . دُعُوا لِلجِهادِ فَأَجابوا ، ووَثِقوا بِالقائِدِ فَاتَّبَعوهُ .
ثُمَّ نادى بِأعلى صَوتِهِ : الجِهادَ الجِهادَ عِبادَ اللّهِ ! ألا وإنّي مُعَسكِرٌ في يَومي هذا ؛ فَمَن أرادَ الرَّواحَ إلَى اللّهِ فَليَخرُج !
قالَ نَوفٌ : وعَقَدَ لِلحُسَينِ عليه السلام في عَشَرَةِ آلافٍ ، ولِقَيسِ بنِ سَعدٍ في عَشَرَةِ آلافٍ ، ولِأَبي أيّوبٍ الأَنصارِيِّ في عَشَرَةِ آلافٍ ، ولِغَيرِهِم عَلى أعدادٍ اُخَرَ وهُوَ يُريدُ الرَّجعَةَ إلى صِفّينَ ، فَما دارَتِ الجُمُعَةُ حَتّى ضَرَبَهُ المَلعونُ ابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ ، فَتَراجَعَتِ العَساكِرُ ، فَكُنّا كَأَغنامٍ فَقَدَت راعيَها تَخَتطِفُهَا الذِّئابُ مِن كُلِّ مَكانٍ . ۳

1.أزمع : عدا وخفّ (لسان العرب : ج۸ ص۱۴۳) .

2.ماءٌ رَنْق : كَدِرٌ (لسان العرب : ج۱۰ ص۱۲۷) .

3.نهج البلاغة : الخطبة ۱۸۲ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
636

الخالِقينَ . فَإِنَّما يُدرَكُ بِالصِّفاتِ ذَوُو الهَيئاتِ وَالأَدَواتِ ، ومَن يَنقَضي إذا بَلَغَ أمَدَ حَدِّهِ بِالفَناءِ ؛ فَلا إلهَ إلّا هُوَ ، أضاءَ بِنورِهِ كُلَّ ظَلامٍ ، وأظلَمَ بِظُلمَتِهِ كُلَّ نورٍ .
اُوصيكُم عِبادَ اللّهِ بِتَقوَى اللّهِ الَّذي ألبَسَكُمُ الرِّياشَ ۱ وأسبَغَ عَلَيكُمُ المَعاشَ . ولَو أنَّ أحَداً يَجِدُ إلَى البَقاءِ سُلّماً ، أو إلى دَفعِ المَوتِ سَبيلاً ، لَكانَ ذلِكَ سُلَيمانُ بنُ داوُدَ عليه السلام الَّذي سُخِّرَ لَهُ مُلكُ الجِنِّ وَالإِنسِ مَعَ النُّبُوَّةِ وعَظيمِ الزُّلفَةِ ، فَلَمَّا استَوفى طُعمَتَهُ ، وَاستَكمَلَ مُدَّتَهُ ، رَمَتهُ قِسِيُّ الفَناءِ بِنِبالِ المَوتِ ، وأصبَحَتِ الدِّيارُ مِنهُ خالِيَةً ، وَالمَساكِنُ مُعَطَّلَةً ، ووَرِثَها قَومٌ آخَرونَ ، وإنَّ لَكُم فِي القُرونِ السّالِفَةِ لَعِبرَةً ! أينَ العَمالِقَةُ وأبناءُ العَمالِقَةِ ! أينَ الفَراعِنَةُ وأبناءُ الفَراعِنَةِ ! أينَ أصحابُ مَدائِنِ الرِّسِّ الَّذينَ قَتَلُوا النَّبِيّينَ ، وأطفَؤوا سُنَنَ المُرسَلينَ ، وأحيَوا سُنَنَ الجَبّارينَ ! وأينَ الَّذينَ ساروا بِالجُيوشِ وهَزَموا بِالاُلوفِ . وعَسكَرُوا العَساكِرَ ومَدَّنُوا المَدائِنَ .
ومِنها : قَد لَبِسَ لِلحِكمَةِ جُنَّتَها ، وأخَذَها بِجَميعِ أدَبِها مِنَ الإِقبالِ عَلَيها ، وَالمَعرِفَةِ بِها ، وَالتَّفَرُّغِ لَها ؛ فَهِيَ عِندَ نَفسِهِ ضالَّتُهُ الَّتي يَطلُبُها ، وحاجَتُهُ الَّتي يَسأَلُ عَنها ؛ فَهُوَ مُغتَرِبٌ إذَا اغتَرَبَ الإِسلامُ ، وضَرَبَ بِعَسيبِ ۲ ذَنَبِهِ ، وألصَقَ الأَرضَ بِجِرانِهِ ۳ . بَقِيَّةٌ مِن بَقايا حُجَّتِهِ ، خَليفَةٌ مِن خَلائِفِ أنبِيائِهِ .
ثُمَّ قالَ عليه السلام : أيُّهَا النّاسُ ! إنّي قَد بَثَثتُ لَكُمُ المَواعِظَ الَّتي وَعَظَ الأَنبِياءُ بِها اُمَمَهُم ، وأدَّيتُ إلَيكُم ما أدَّتِ الأَوصِياءُ إلى مَن بَعدَهُم ، وأدَّبتُكُم بِسَوطي فَلَم تَستَقيموا . وحَدَوتُكُم بِالزَّواجِرِ فَلَم تَستَوسِقوا ۴ . للّهِِ أنتُم ! أ تَتَوَقَّعونَ إماماً غَيري يَطَأُ بِكُمُ

1.الرِّياش : ما ظَهر من اللِّباس (النهاية : ج۲ ص۲۸۸) .

2.عسيب الذنَب : مَنبِتُه من الجِلدِ والعظم (لسان العرب : ج۱ ص۵۹۹) .

3.الجِران ، مقدّم عنق البعير من المذبح إلى المنحر ، والبعير أقلّ ما يكون نفعه عند بروكه . وإلصاق جِرانه بالأرض كناية عن الضعف (راجع : لسان العرب : ج ۱۳ ص ۸۶) .

4.أي فلم تجتمعوا على الطاعة (انظر النهاية : ج۵ ص۱۸۵) .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 405911
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي