الطَّريقَ ، ويُرشِدُكُمُ السَّبيلَ ؟ ألا إنَّهُ قَد أدبَرَ مِنَ الدُّنيا ما كانَ مُقبِلاً ، وأقبَلَ مِنها ما كانَ مُدبِراً ، وأزمَعَ ۱ التَّرحالَ عِبادُ اللّهِ الأَخيارُ ، وباعوا قَليلاً مَِن الدُّنيا لا يَبقى بِكَثيرٍ مِنَ الآخِرَةِ لا يَفنى .
ما ضَرَّ إخوانَنَا الَّذينَ سُفِكَت دِماؤُهُم وهُم بِصِفّينَ ألّا يَكونُوا اليَومَ أحياءً ؟ يُسيغونَ الغُصَصَ ويَشرَبونَ الرَّنقَ ۲ . قَد ـ وَاللّهِ ـ لَقُوا اللّهَ فَوَفّاهُم اُجورَهُم ، وأحَلَّهُم دارَ الأَمنِ بَعدَ خَوفِهِم .
أينَ إخوانِيَ الَّذينَ رَكِبُوا الطَّريقَ ومَضَوا عَلَى الحَقِّ ؟ أينَ عَمّارٌ ؟ وأينَ ابنُ التَّيِّهانِ ؟ وأينَ ذُو الشَّهادَتَينِ ؟ وأينَ نُظَراؤُهُم مِن إخوانِهِمُ الَّذينَ تَعاقَدوا عَلَى المَنِيَّةِ ، واُبرِدَ بِرُؤوسِهِم إلَى الفَجَرَةِ .
قالَ : ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى لِحيَتِهِ الشَّريفَةِ الكَريمَةِ فَأَطالَ البُكاءَ ، ثُمَّ قالَ عليه السلام : أوِّهِ عَلى إخوانِيَ الَّذينَ تَلَوُا القُرآنَ فَأَحكَموهُ ، وتَدَبَّرُوا الفَرضَ فَأَقاموهُ ، أحيَوُا السُّنَّةَ وأماتُوا البِدعَةَ . دُعُوا لِلجِهادِ فَأَجابوا ، ووَثِقوا بِالقائِدِ فَاتَّبَعوهُ .
ثُمَّ نادى بِأعلى صَوتِهِ : الجِهادَ الجِهادَ عِبادَ اللّهِ ! ألا وإنّي مُعَسكِرٌ في يَومي هذا ؛ فَمَن أرادَ الرَّواحَ إلَى اللّهِ فَليَخرُج !
قالَ نَوفٌ : وعَقَدَ لِلحُسَينِ عليه السلام في عَشَرَةِ آلافٍ ، ولِقَيسِ بنِ سَعدٍ في عَشَرَةِ آلافٍ ، ولِأَبي أيّوبٍ الأَنصارِيِّ في عَشَرَةِ آلافٍ ، ولِغَيرِهِم عَلى أعدادٍ اُخَرَ وهُوَ يُريدُ الرَّجعَةَ إلى صِفّينَ ، فَما دارَتِ الجُمُعَةُ حَتّى ضَرَبَهُ المَلعونُ ابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ ، فَتَراجَعَتِ العَساكِرُ ، فَكُنّا كَأَغنامٍ فَقَدَت راعيَها تَخَتطِفُهَا الذِّئابُ مِن كُلِّ مَكانٍ . ۳
1.أزمع : عدا وخفّ (لسان العرب : ج۸ ص۱۴۳) .
2.ماءٌ رَنْق : كَدِرٌ (لسان العرب : ج۱۰ ص۱۲۷) .
3.نهج البلاغة : الخطبة ۱۸۲ .