641
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

يفكّر بأكثر من القتال والبعوث وفتح البلدان والحصول على الغنائم وغير ذلك ممّا له صلة بهذه الدائرة .
لقد كان من سكن الكوفة بعيداً عن المدينة المنوّرة التي تحتضن أكثريّة الصحابة ، كما أنّ تردّد الصحابة على هذا المصر كان قليلاً أيضاً ، إذ سار عمر بسياسةٍ تقضي أن لا يتوزّع الصحابة في الأمصار بل يبقون في المدينة من حوله ۱ . على هذا الأساس لم يحظَ الكوفيّون بالمعرفة الدينيّة اللازمة ، وظلّ حظّهم ضئيلاً من تعاليم الشريعة والعلوم الدينيّة .
لقد تحدّث عمر صراحةً إلى من رغب من الصحابة قصدَ الكوفة ، ونهاهم عن تعليم الحديث ؛ لئلّا يضرّوا اُنس هؤلاء بالقرآن . ۲
هذا وقد برزت في الكوفة طبقة عُرفت بـ «القرّاء» ، ألّفت فيما بعد البذور التأسيسيّة لتيّار الخوارج .
ثم نقطة أساسيّة اُخرى تتمثّل بالنسيج القبائلي الموجود في الكوفة وهيمنة الطباع القبليّة ، وثقافة القبيلة وموازينها على مجتمع الكوفة ، ففي إطار نسيج ثقافيّ كهذا تكون الكلمة الفصل لرئيس القبيلة ، أما البقيّة فهم تبع له ، من دون أن تكون لهم حرّية الاختيار .
بضمّ هاتين المقدّمتين لبعضهما نخلص إلى هذه النتيجة : عندما نقول : «إنّ الناس انفضّوا عن الإمام علي عليه السلام وتركوه وحيداً» فما نقصده بذلك هو تخلّي الخواصّ والنخب ورؤساء قبائل الاُمّة الإسلاميّة عنه ، بالخصوص أهل العراق ، وبخاصّة أهل الكوفة .

1.المستدرك على الصحيحين : ج۱ ص۱۹۳ ح۳۷۴ .

2.كنزل العمّال : ج۱ ص۲۹۲ ح۲۹۴۷۹ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
640

الضروري الإشارة إلى نقطتين :

1 . دور الخواصّ في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة

لقد كان للخواصّ على مرّ التأريخ ـ ولا يزال ـ الدور الأكبر في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة التي يشهدها أيّ مجتمع ، فالنخب هي التي تأخذ موقع الجمهور في العادة وتقرّر بدلاً منه ، على حين ليس للجمهور ـ في الأغلب ـ إلّا اتّباع تلك النخب والانقياد لها . وقد تُرتّب النخبُ المشهد ـ أحيانا ـ بصيغة بحيث تتوهّم الجماهير أنّها صاحبة القرار!
ففي عصرٍ كصدر الإسلام كان لرؤساء القبائل الدور المحوري في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة . وفي عصرٍ آخر صار ذلك التأثير إلى النخب الفكريّة وقادة الأحزاب . أما في العصر الحاضر فإنّ الذي يتحكّم بالجمهور ويوجّهه ويصوغ قراراته هم كبار المشرفين على الشبكات الخبريّة ، وأجهزة الاتّصال المختلفة ، والقنوات والنظم الإعلاميّة ، وأصحاب الجرائد ، والصحفيّون .

2 . دور أهل الكوفة في حكم الإمام عليه السلام

يحتلّ العراق في الجغرافيّة السياسيّة لعصر صدر الإسلام موقع الجسر الذي يربط شرق العالم الإسلامي بغربه ، كما يعدّ مصدراً لتزويد السلطة المركزيّة بما تحتاج إليه من جندٍ وقوّاتٍ عسكريّة . وفي العراق تحظى الكوفة بموقع خاصّ ، وحساسيّة كبرى .
لقد مُصِّرت الكوفة عام 17 ه ؛ لتكون مقرّاً للجند ، حيث تقارَنَ تمصير هذه المدينة مع إيجاد معسكرات كبرى للجند .
بهذا يتّضح أنّ الكوفة هي قاعدة عسكريّة ، ومن ثمّ فإنّ من يسكنها لم يكن

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 302516
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي