وفيما يلي نعرض دراسة أسباب هذه الظاهرة ، وكيف بقي الإمام وحيداً ، من خلال ما ورد على لسان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام .
غربة الإمام عليه السلام على لسانه
ذكرنا قبل ذلك أنّ الإمام عليّاً عليه السلام استطاع أن يعكس في أيّام حكمه القصير أبهى صورة للحكم القائم على أساس القيم الإنسانيّة . فالنهج العلوي في الحكم لم يكن يستقطب إليه المؤمنين بالقيم الإسلاميّة فحسب ، بل كان ـ ولا يزال ـ يجذب إلى دائرة نفوذه حتى أولئك الذين لا يدينون بهذه القيم من بني الإنسان .
لذلك كلّه لا يمكن أن يكون سبب انفضاض الناس عن الإمام كامناً بخطأ منهجه في الحكم ، بل ثم لذلك أدلّة اُخرى .
لقد بيّن الإمام نفسه أسباب إدبار الجمهور عن حكمه بعد أن كانوا أقبلوا عليه ، وكشف بالتفصيل دوافع إحجام المجتمع عن برنامجه الإصلاحي ، كما وضع يده على الجذر الذي تنتهي إليه الاختلافات التي عصفت بالمجتمع ، والاضطرابات التي برزت أيّام حكمه .
وفيما يلي نقدّم أجوبة الإمام على هذه النقاط :
1 . تضادّ الإرادات
يبرز السبب الأوّل في ابتعاد الناس عن الإمام بذلك الاختلاف الأساسي الذي ظهر بين الرؤى ، والتضادّ المبدئي الذي حصل بين دوافع القوم وأهدافهم ؛ فلم يكن دافع أغلب الذين ثاروا على عثمان ـ لاسيما بعض قادة الحركة مثل طلحة والزبير ـ هو إعادة المجتمع إلى سيرة النبيّ وسنّته ، واستئناف القيم الإسلاميّة الأصيلة ، بل كان الباعث على ذلك هو ضجر هؤلاء من الاستئثار القبلي والحزبي الذي مارسه بنو اُميّة وفي طليعتهم عثمان . وبذلك لم يكن هدف هؤلاء من قتل عثمان ومبايعة الإمام