653
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

النُّفوسِ ، فَلا يُستَوحَشُ لِعَظيمِ حَقٍّ عُطِّلَ ، ولا لِعَظيمِ باطِلٍ فُعِلَ ، فَهُنالِكَ تَذِلُّ الأَبرارُ ، وتَعِزُّ الأَشرارُ ، وتَعظُمُ تَبِعاتُ اللّهِ سُبحانَهُ عِندَ العِبادِ» . ۱
لم تلبث الأمّة بعد استشهاد الإمام إلّا أربعة وثلاثين عاماً حتّى تحقّقت نبوءته فيها . ففي عهد خلافة عبد الملك بن مروان خرجت على الحكومة المركزيّة من جهة الأهواز جماعة من الخوارج يطلق عليها الأزارقة ، ولم تكن ثَمَّ منطقة يمكن أن يُبعث منها جند لمواجهة هؤلاء غير الكوفة ، لكنّ أهل الكوفة لم يذعنوا لذلك ، ولم يستجيبوا لرغبة الحكم ، ولم يعبؤوا به .
بادر عبد الملك إلى عقد مجلس ضمَّ الخواصّ والمقرّبين لمعالجة المشكلة وتدبّر الحلّ ، فاستنهضهم ضمن خطابٍ حماسي ، قائلاً : «فمن ينتدب لهم منكم بسيفٍ قاطع ، وسنان لامع!» ، فخيّم الصمت على الجميع ، ولم يَنبِس أحدهم ، إلّا الحجّاج بن يوسف ـ الذي كان قد انتهى لتَوّه من مهمّة في مكّة قضى فيها على حركة عبد اللّه بن الزبير ـ فنهض من مكانه وأبدى استعداده للمهمّة . بيدَ أنّ عبد الملك لم يرضَ ، وطلب منه الجلوس .
وفي إطار حديثه عن كيفيّة إرسال الجند إلى الأهواز توجّه عبد الملك مجدّداً إلى القوم طالباً من الحضور أن يذكروا له أكفأ الرجال أميراً على العراق ، ومن يكون قائداً للجيش الذي سيقود المعركة مع الأزارقة ، وهو يقول : ويلكم! مَن للعراق؟ فصمتوا ، وقام الحجّاج ثانية ، وقال : أنا لها .
الطريف في الأمر أنّ عبد الملك التفت هذه المرّة إلى الحجّاج مستوضحاً عن الوسيلة التي يلجأ إليها في دفع الناس لطاعته ، حيث سأله نصّاً : إنّ لكلّ أمير آلة وقلائد ، فما آلتك وقلائدك؟

1.نهج البلاغة : الخطبة ۲۱۶ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
652

مُتَحَرِّياً صَلاحَكُم بِفَسادِ نَفسي ، ولكِن سَيُسَلَّطُ عَلَيكُم بَعدي سُلطانٌ صَعبٌ» . ۱
يوجّه الإمام في هذا الكلام خطابه إلى اُولئك الذين أساؤوا استخدام أجواء الحرّيّة في ظلال حكمه ، وصاروا يتمرّدون على طاعته ؛ بأنّني أستطيع كبقيّة السياسيّين المحترفين أن أضطرّكم إلى إطاعتي ، وبمقدوري أن أقوِّم أودَكم ببساطة من خلال القوّة وعبر منطق السيف ؛ بيدَ أنّني أربأ بنفسي أن اُقدم على ذلك ؛ لأنّ إصلاح أمركم بالسيف ومنطق القوّة لا يكون إلّا بالتضحية بقيمي الأخلاقيّة ، وهذا الثمن يتنافى مع فلسفة حكمي . لكن اعلموا بأنّ المستقبل يُخبئ لكم في أحشائه آتياً عظيماً! فبسلوككم هذا إنّما توطّئون لأنفسكم نازلة قومٍ لا يحكمونكم إلّا بالسيف ، ولا يتحدّثون إليكم إلّا بمنطق القوّة ، ولا يعرفون بكم الشفقة!
لقد خاطب الإمام أولئك بقوله عليه السلام : «لا يَصلُحُ لَكُم يا أهلَ العِراقِ إلّا مَن أخزاكُم وأخزاهُ اللّهُ!» . ۲

تحقّق نبوءة الإمام عليه السلام

هكذا مضى عليّ عليه السلام مظلوماً من بين الناس ؛ وبتعبيره : «إن كانَتِ الرَّعايا قَبلي لَتَشكو حَيفَ رُعاتِها ، وإنَّنِي اليَومَ لَأَشكو حَيفَ رَعِيَّتي» . ۳
لقد أوضح للاُمّة أنّ هضم الرعيّة لحقوق الوالي العادل لا يقلّ في تبعاته الخطرة على المجتمع عن عمل الوالي الظالم ، وهو يقول : «وإذا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ واِلَيها ، أو أجحَفَ الوالي بِرَعِيَّتِهِ ، اختَلَفَت هُنالِكَ الكَلِمَةُ ، وظَهَرَت مَعالِمُ الجَورِ ، وكَثُرَ الإِدغالُ فِي الدّينِ ، وتُرِكَت مَحاجُّ السُّنَنِ ، فَعُمِلَ بِالهَوى ، وعُطِّلَتِ الأَحكامُ ، وكَثُرَت عِلَلُ

1.الإرشاد : ج ۱ ص ۲۷۸ .

2.ربيع الأبرار : ج۴ ص۲۵۰ .

3.نهج البلاغة : الحكمة ۲۶۱ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 302388
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي