655
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

الثاني مناديه أن يطوف في سكك الكوفة وطرقها ، وهو يقرأ على الناس : «ألا إنّنا قد أجّلنا من كان من أصحاب المهلّب ثلاثاً ، فمن أصبناه بعد ذلك فعقوبته ضرب عنقه» .
لكي يضمن الحجّاج تنفيذ أمره دعا حاجبه زياد بن عروة وصاحب شرطته ؛ وأمرهما أن يطوفا في سكك المدينة وطرقها مع عدد من الجند ؛ يشرفان على خروج الناس إلى القتال ، ومن أبى أو تأخّر عن النفير ضربت عنقه .
هكذا التحق بالمهلّب بن أبي صفرة قائد الجيش الذي خرج لحرب الأزارقة جميع من كان معه بادئ الأمر ، وعادوا إليه بعد أن كانوا تركوه وحيداً ، دون أن يتخلّف أحد . ۱
لقد استطاع عبد الملك بن مروان إسكات جميع المعارضين والقضاء على الخارجين عليه من خلال الاتكاء إلى سياسة البطش والإرهاب هذه ، وإجرائها في جميع أمصار العالم الإسلامي ، حتى بلغ من أمره أنّه خرج إلى مكّة حاجّاً سنة (75) وهو مطمئنّ البال . قال اليعقوبي بهذا الشأن : «ولما استقامت الاُمور لعبد الملك ، وصلحت البلدان ، ولم تبق ناحية تحتاج إلى صلاحها والاهتمام بها ، خرج حاجّاً سنة 75» . ۲
أجل ، هذه هي الإصلاحات التي يكون ثمنها فساد المُصلح . والإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن على استعداد أن يصلح المجتمع بهذه الطريقة ، فعليّ لا يستطيع أن يميل إلى نهج يحلّ مشكلة الحكم من خلال التضحية بالقيم الإنسانيّة . ولو حصل ذلك لن تكون عندئذٍ ثمّ حاجة إلى بعث الأنبياء وإلى القادة الإلهيّين ،

1.الفتوح : ج۷ ص۱۳ .

2.تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۲۷۳ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
654

أوضح الحجّاج لعبد الملك أنّه سيلجأ إلى القوّة واستعمال السيف لإجبار الناس على الطاعة ، وأنّه لن يوفِّر جهداً في استغلال سياسة التهديد والترغيب وتوظيفها بأقصى مداها حتى يقضي على جميع المناوئين ، معبِّراً عن هذا النهج بقوله : «فمن نازعني قصمته ، ومن دنا منّي أكرمته ، ومن نأى عنّي طلبته ، ومن ثبت لي طاعنته ، ومن ولّى عنّي لحقته ، ومن أدركته قتلته . . . إنّ آلتي : ازرع بدرهمك مَن يواليك ، واحصد بسيفك مَن يعاديك» .
وافق عبد الملك على هذا النهج ، وكتب للحجّاج عهده على العراقين أعني الكوفة والبصرة سنة (74) للهجرة .
أمّا الحجّاج فكان أوّل ما نطق به في أوّل لقاء جمعه مع أهل الكوفة ، قوله لهم : «إنّي لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها ، وإنّي لصاحبها ، وكأنّي أنظر إلى الدماء ، وإنّها لترقرق بين العمائم واللحى . . . واعلموا أنّي لا أعِد إلّا وفيت ، ولا أقول إلّا أمضيت ، ولا أدنو إلّا فهمت ، ولا أبعد إلّا سمعت ، فإيّاكم وهذه الهنات والجماعات والبطالات ، وقال وقيل وماذا يقول ، وأمر فلان إلى ماذا يؤول . وما أنتم يا أهل العراق ويا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق! وإنّما أنتم أهل قرية «كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَ قَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ»۱ . . . ؛ ألا إنّ سيفي سيروى من دمائكم ، ويفري من جلودكم ، فمن شاء فليحقن دمه» . ۲
لقد أدرك الناس من خلال القسوة التي أبداها الحجّاج منذ اليوم الأوّل لعهده أنّه جادّ في تنفيذ سياسته ، حازم في العمل بما يقول . وحيث كان ذاك فقد أمر في اليوم

1.النحل : ۱۱۲ .

2.الفتوح : ج۷ ص۸ ـ ۱۰ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 404809
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي