ليف ، وكأن جبينه ثَفَنةُ بعير» . 
 وفي نهاية الخطبة نادى الإمام بأعلى صوته : «الجِهادَ الجِهادَ عِبادَ اللّهِ! ألا وإنّي مُعَسكِرٌ في يَومي هذا ، فَمَن أرادَ الرَّواحَ إلَى اللّهِ فَليَخرُج!» 
 قال نوف : وعقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف ، ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد اُخر ، وهو يريد الرجعة إلى صفّين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم ـ لعنه اللّه ـ فتراجعت العساكر ، فكنّا كأغنام فقدت راعيها ، تختطفها الذئاب من كلّ مكان! ۱
 هكذا يظهر أنّ ما كان يندّ عن الإمام من صيحات متوجّعة ، وما كان يبثّ به أصحابه من شكاوى مكرّرة ، لم يكن عن ضعف قيادي ، كما لم يكن إظهاراً لعجز عن إدارة المجتمع في مثل ذلك الفضاء الذي كان يعمّه ، وتلك الخصائص التي كانت تفشو فيه . إنّما رام الإمام أن يستفيد من هذه اللغة في حثّ الناس وتعبئتها للحركة والجهاد بدلاً من استخدام منطق القوّة والسيف . 
 إنّ تعبئة الإمام لتلك القوّات الكثيفة في ظلّ الأوضاع التي مرّت الإشارة إليها ولمّا يبقَ على استشهاده إلّا أقلّ من اسبوع ، ينبئ من جهة عن الكفاءة الاستثنائيّة الممتازة التي يحظى بها في تعبئة جماهير الناس ، ويكشف من جهة اُخرى عن نجاح النهج العلوي في إدارة الاجتماع السياسي .