مدى دور الخوارج في هذه المؤامرة من خلال معرفة هل هم تصرّفوا فيها على نحو مستقلّ أم كانوا في عملهم القذر هذا أداة بيد معاوية أو جلاوزته؟ وكذلك من خلال النظر إلى كيفيّة تنفيذ المؤامرة . وهذه المسائل تتطلّب التأمّل والتمعّن .
2 . دور معاوية
لا يوجد من الناحية التاريخيّة سند يمكن أن يعزو بوضوح مؤامرة قتل الإمام إلى معاوية . ولكن توجد ثمّة قرائن لا يمكن للباحث أن ينكر في ضوئها دور معاوية في هذه الواقعة .
لا شكّ في أنّ معاوية كان بصدد قتل الإمام ؛ وذلك لأنّه كان يعلم جيّدا بأنّه لن يصل إلى الخلافة طالما بقي عليّ عليه السلام حيّا ، هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى فإنّ قتل الإمام في ساحة المعركة لم يكن أمرا ميسورا ، بل إنّ تجربة وقعة صفّين أثبتت لو أنّ هذه الحرب تكرّرت مرّةً اُخرى لانتهت قطعا بهزيمة معاوية والقضاء عليه . وعلى هذا فإنّ أفضل السبل لإزاحة الإمام عن الطريق هو اغتياله ، وهو عمل سبق له أن جرّبه مع مالك الأشتر الذي يعتبر من أفضل العناصر التي وقفت إلى جانب الإمام .
وكان أنجح اُسلوب لتنفيذ الخطّة هو تنفيذها على يد أنصار سابقين للإمام ؛ أي على يد بقايا الخوارج الذين دخلوا مؤخّرا في صراع مع الإمام ، وكانوا يفكّرون بالانتقام لقتلاهم . وتوفّرت لديهم الدواعي الكافية للإقدام على هذا العمل الخطير والخبيث ، هذا فضلاً عن عدم إمكانية تتبّع المؤامرة والوصول الى الفاعل الأصلي ، ولعلّ هذا هو السبب الذي أدّى إلى عدم وجود أي سند تاريخي يثبت ارتباط هذه القضية بمعاوية . ومن الطبيعي أنّ أمثال هذه القرارات السرّية من قبل الحكومات ليست مما يمكن للمؤرخين الاطّلاع عليه وتثبيته في كتبهم .