الخليقة وانبثاق الوجود ، وخلق الملائكة ، وخلق السماوات والأرضين ، والإنسان ، والحيوان ، وأعطت رؤىً مكثّفة في المجتمع ، وعلم النفس ، والتاريخ ، والأدب ، وأبدت إشارات في الفيزياء ، وعلم الأرض «الجيولوجيا» ممّا لا يزال يتّسم بالجدة والحداثة لدى العلماء المعاصرين رغم التطوّر والتكامل .
مَن تكون هذه أثارة من علمه وقبضة من معرفته ، كيف يمكن تحديد أبعاد علمه ، والوقوف على مكنون معرفته؟
وهل يمكن تحرّي جميع الجوانب ، ومعرفة كافّة الزوايا في علم إنسانٍ وقف يصدع بعلوّ قامته ، ويهتف بصلابة ورسوخ : «سَلُوني قَبلَ أن تَفقِدُوني» ، ثمّ لم يعجز عن جواب سؤال قطّ ، ولم يسجّل التاريخ مثيلاً لهذه الظاهرة ، ولم تعرف الإنسانيّة في ماضيها وحاضرها من نطق بمثل هذه المقالة أبداً .
هالة من الغموض كانت ولا تزال تكتنف علم عليّ ومداه ، ولا غرو فهذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «ما عَرَفَ اللّهَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ غَيري وغَيرُكَ ، وَما عَرَفَكَ حَقَّ مَعرِفَتِكَ غَيرُ اللّهِ وغَيري» .
إنّ القلم ليعجز ، وتنكفئ الكلمات ، ولن يكون أمام المرء مهما بلغت كفاءته إلّا الاعتراف بالعجز أمام هذه الظاهرة المدهشة.
على هذا يتحتّم على الإنسان أن يكون كالمتنبّي في الإفصاح عن عجزه في بيان أبعاد المعرفة العلويّة ، حيث يكون الصمت في مثل هذا المشهد أبلغ من أيّ نطق . ومن ثمَّ ما أحرانا أن نرفع الأقلام صوب ساحته الغرّاء فنمسك عن الكتابة لنصغي إليه وننصت له بأدب ، عساه يُفيض بشيء قليل ممّا عنده ، ويُبدي قطرة من بحر علومه الزخّار ، وينشر وميضاً من مكنون حقائقه.