873
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

إلَيهِ البَصرَةَ ، فَكانَ يَتَتَبَّعُ الشّيعَةَ ـ وهُوَ بِهِم عارِفٌ ؛ لِأَ نَّهُ كانَ مِنهُم أيّامَ عَلِيٍّ عليه السلام ـ فَقَتَلَهُم تَحتَ كُلِّ حَجَرٍ ومَدَرٍ ، وأخافَهُم ، وقَطَعَ الأَيدِيَ وَالأَرجُلَ ، وسَمَلَ ۱ العُيونَ ، وصَلَبَهُم عَلى جذوع النّخلِ ، وطَرَدَهُم ، وَشَرَّدَهُم عَنِ العِراقِ ، فَلَم يِبَقَ بِها مَعروفٌ مِنهُم .
وكَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى عُمّالِهِ في جَميعِ الآفاقِ ألّا يُجيزوا لأَِحَدٍ مِن شيعَةِ عَلِيٍّ وأهلِ بَيتِهِ شَهادَةً ، وكتب إلَيهِم : أنِ انظُروا مَن قِبَلَكُم مِن شيعَةِ عُثمانَ ومُحِبّيهِ وأهلِ وَلايَتِهِ وَالَّذين يَروونَ فَضائِلَهُ ومَناقِبَهُ فَأَدنوا مَجالِسَهُم ، وقَرِّبوهُم ، وَأكرموهُم ، وَاكتُبوا لي بِكُلِّ ما يَروي كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم ، وَاسمَهُ ، وَاسمَ أبيهِ وعَشيرَتِهِ . فَفَعلوا ذلِكَ ، حَتّى أكثَروا في فَضائِلِ عُثمانَ ، ومَناقِبِهِ ؛ لِما كانَ يَبعَثُهُ إلَيهِم مُعاوِيَةُ مِنَ الصِّلاتِ وَالكِساءِ وَالحِباءِ وَالقَطائِعِ ، ويُفيضُهُ فِي العَرَبِ مِنهُم وَالمَوالي ، فَكَثُرَ ذلِكَ في كُلِّ مِصرٍ ، وتَنافَسوا فِي المَنازِلِ وَالدُّنيا ، فَلَيسَ يَجيءُ أحَدٌ مَردودٌ مِنَ النّاسِ عامِلاً مِن عُمّالِ مُعاوِيَةَ فَيَروي في عُثمانَ فَضيلَةً أو مَنقَبَةً إلّا كَتَبَ اسمَهُ ، وقَرَّبَهُ ، وشَفّعَهُ . فَلَبِثوا بِذلِكَ حيناً .
ثُمَّ كَتَبَ إلى عُمّالِهِ : إنَّ الحَديثَ في عُثمانَ قَد كَثُرَ وفَشا في كُلِّ مِصرٍ ، وفي كُلِّ وَجهٍ وناحِيَةٍ ، فَإِذا جاءَكُم كِتابي هذَا فَادعُوا النّاسَ إلَى الرِّوايَةِ في فَضائِلِ الصَّحابَةِ وَالخُلَفاءِ الأَوَّلينَ ، ولا تَتُركوا خَبَراً يَرويهِ أحَدٌ مِنَ الُمسلِمين في أبي تُرابٍ إلّا وتَأتوني بِمُناقِضٍ لَهُ فِي الصَّحابَةِ ؛ فَإِنَّ هذَا أحَبُّ إلَيَّ ، وأقَرُّ لِعَيني ، وأدحَضُ لِحُجَّةِ أبي تُرابٍ وشيعَتِهِ ، وأشَدُّ عَلَيهِم مِن مَناقِبِ عُثمانَ وفَضلِهِ .
فَقُرِئَت كُتُبُهُ عَلَى النّاسِ ، فَرُوِيَت أخبارٌ كَثيرَةٌ ـ في مَناقِبِ الصَّحابَةِ ـ مُفتَعَلَةٌ لا حَقيقَةَ لَها ، وجدّ النّاسُ في رِوايَةِ ما يَجري هذَا المَجرى ، حَتّى أشادوا بِذِكرِ ذلِكَ

1.سملُ العين : فقؤها ؛ يقال : سُملت عينُه ؛ إذا فُقئت بحديدة محماة (لسان العرب : ج۱۱ ص۳۴۷) .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
872

مُعاوِيَةَ ، وحَقَنَ دَمَهُ ودِماءَ أهلِ بَيتِهِ وهُم قَليلٌ حَقَّ قَليلٍ .
ثُمَّ بايَعَ الحُسَينَ عليه السلام مِن أهلِ العِراقِ عِشرونَ ألفاً ، ثُمَّ غَدَروا بِهِ ، وخَرَجوا عَلَيهِ وبَيعَتُهُ في أعناقِهِم ، وقَتَلوهُ ، ثُمَّ لَم نَزَل ـ أهلَ البَيتِ ـ نُستَذَلُّ ونُستَضامُ ونُقصى ونُمتَهَنُ ونُحرَمُ ونُقتَلُ ونُخافُ ولا نَأمَنُ عَلى دِمائِنا ودِماءِ أولِيائِنا . ووَجَدَ الكاذِبونَ الجاحِدونَ ؛ ـ لِكذِبِهِم وجُحودِهِم ـ مَوضِعاً يَتَقَرَّبونَ بِهِ إلى أولِيائِهِم وقُضاةِ السَّوءِ وعُمّالِ السَّوءِ في كُلِّ بَلدَةٍ ، فَحَدَّثوهُمِ بِالأَحاديثِ المَوضوعَةِ المَكذوبَةِ ، ورَوَوا عَنّا ما لَم نَقُلهُ وما لَم نَفعَلهُ ؛ لِيُبَغِّضونا إلَى النّاسِ . وكانَ عِظَمُ ذلِكَ وكِبَرُهُ زَمَنَ مُعاوِيَةَ بَعدَ مَوتِ الحَسَنِ عليه السلام ؛ فَقُتِلَت شيعَتُنا بِكُلِّ بَلدَةٍ ، وقُطِعَتِ الأَيدي وَالأَرجُلِ عَلَى الظِّنَّةِ ، وكانَ مَن يُذكَرُ بِحُبِّنا وَالاِنقِطاعِ إلَينا سُجِنَ ، أو نُهِبَ مالُهُ ، أو هُدِمَت دارُهُ ، ثُمَّ لَم يَزَل البَلاءُ يَشتَدُّ ويَزدادُ إلى زَمانِ عُبَيدِ اللّهِ بن زِيادٍ قَاتِلِ الحُسَينِ عليه السلام .
ثُمَّ جَاءَ الحَجّاجُ فَقَتَلَهُم كُلَّ قِتلَةٍ ، وأخَذَهُم بِكُلِّ ظِنّةٍ وتُهمَةٍ ، حَتّى إنَّ الرَّجُلَ لَيُقالُ لَهُ : «زِنديقٌ» أو «كافِرٌ» أحَبُّ إلَيهِ مِن أن يُقالَ : «شيعَةُ عَلِيٍّ» ، وحَتّى صارَ الرَّجُلُ الَّذي يُذكَرُ بِالخَيرِ ـ ولَعَلَّهُ يَكونُ وَرِعاً صَدوقاً ـ يُحَدِّثُ بِأَحاديثَ عَظيمَةٍ عَجيبَةٍ مِن تَفضيلِ بَعضِ مَن قَد سَلَفَ مِنَ الوُلاةِ ولَم يَخلُقِ اللّهُ تَعالى شَيئا مِنها ، ولا كانَت ، ولا وقَعَت ، وهُوَ يَحسَبُ أنَّها حَقٌّ ؛ لِكَثرَةِ مَن قَد رَواها مِمَّن لَم يُعرَف بِكَذِبٍ ولا بِقِلَّةٍ وَرَعٍ .
ورَوى أبُو الحَسَنٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبي سَيفٍ المَدائِنِيُّ في كِتابِ الأَحداثِ قالَ : كَتَبَ مُعاوِيَةُ نُسخَةً واحِدَةً إلى عُمّالِهِ بَعدَ عامِ الجَماعَةِ : أن بَرِئَتِ الذِّمّةُ مِمَّن رَوى شَيئا مِن فَضلِ أبي تُرابٍ وأهلِ بَيتِهِ . فَقامَتِ الخُطَباءُ في كُلِّ كورَةٍ وعَلى كُلِّ مِنبَرٍ يَلعَنونَ عَلِيّا ، ويَبرَؤونَ مِنهُ ، ويَقَعونَ فيهِ وفي أهلِ بَيتِهِ . وكانَ أشَدَّ النّاسِ بَلاءً حينَئِذٍ أهلُ الكوفَةِ ؛ لِكَثرَةِ مِن بِها مِن شيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَاستَعمَلَ عَلَيهِم زِيادَ بنَ سُمَيَّةَ ، وضَمَّ

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 395632
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي