ولنا أن نعدّ من فضائله ومناقبه صلاته على الجثمان الطاهر لسيّدة نساء العالمين فاطمة عليهاالسلام ، فقد كان في عداد من صلّى عليها في تلك الليلة المشوبة بالألم والغمّ والمحنة . ۱
وصرخاته بوجه الظلم ملأت الآفاق ، واشتهرت في التاريخ ؛ فهو لم يصبر على إسراف الخليفة الثالث وتبذيره وعطاياه الشاذّة ، وانتفض ثائراً صارخاً ضدّها، ولم يتحمّل التحريف الَّذيافتعلوه لدعم تلك المكرمات المصطنعة، وقدح في الخليفة وتوجيه كعب الأحبار لأعماله وممارساته . فقام الخليفة بنفي صوت العدالة هذا إلى الشام الَّتي كانت حديثة عهدٍ بالإسلام ، غيرَ مُلمّةٍ بثقافته . ۲
ولم يُطِقه معاوية أيضاً ؛ إذ كان يعيش في الشام كالملوك ، ويفعل ما يفعله القياصرة ، ضارباً بأحكام الإسلام عرض الجدار ، فأقضّت صيحات أبي ذرّ مضجعه ۳ . فكتب إلى عثمان يخبره باضطراب الشام عليه إذا بقي فيها أبو ذرّ ، فأمر بردّه إلى المدينة ۴ ، وأرجعوه إليها على أسوأ حال .
وقدم أبو ذرّ المدينة ، لكن لا سياسة عثمان تغيّرت ، ولا موقف أبي ذرّ منه ، فالاحتجاج كان قائماً ، والصيحات مستمرّة ، وقول الحقّ متواصلاً ، وكشف المساوئ لم يتوقّف . ولمّا لم يُجْدِ الترغيب والترهيب معه ، غيّرت الحكومة اُسلوبها منه ، وما هو إلّا الإبعاد ، لكنّه هذه المرّة إلى الرَّبَذة ۵
، وهي صحراء قاحلة حارقة ، وأصدر عثمان تعاليمه بمنع مشايعته ۶ . ولم يتحمّل أمير المؤمنين عليه السلام هذه التعاليم
1.رجال الكشّي : ج۱ ص۳۴ الرقم ۱۳ .
2.أنساب الأشراف : ج۶ ص۱۶۶ .
3.أنساب الأشراف : ج۶ ص۱۶۷ .
4.الطبقات الكبرى : ج۴ ص۲۲۶ .
5.الكافي : ج۸ ص۲۰۶ ح۲۵۱ .
6.مروج الذهب : ج۲ ص۳۵۱ .