943
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

المحتد ، وهذا من عجائب الاُمور ! ۱
وعاد مالك بعد صفّين إلى مهمّته ۲ . ولمّا اضطربت مصر على محمّد بن أبي بكر وصعب عليه أمرها وتمرّد أهلها ، انتدب الإمام عليه السلام مالكا وولّاه عليها ۳ . وكان قد خَبَر كفاءته ، ورفعته ، واستماتته ، ودأبه ، ووعيه ، وخبرته في العمل ، فكتب إلى أهل مصر كتابا يعرّفهم به ، قال فيه :
« . . . بَعَثتُ إلَيكُم عَبدا مِن عِبادِ اللّهِ ، لا يَنامُ أيّامَ الخَوفِ ، ولا يَنكُلُ عَنِ الأَعداءِ ساعاتِ الرَّوعِ ، أشَدَّ عَلَى الفُجّارِ مِن حَريقِ النّارِ ، وهُوَ مالِكُ بنُ الحارِثِ أخو مَذحِجٍ ، فَاسمَعوا لَهُ وأطيعوا أمرَهُ فيما طابَقَ الحَقَّ ؛ فَإِنَّهُ سَيفٌ مِن سُيوفِ اللّهِ ، لا كَليلُ الظُّبَةِ۴ولا نابِي۵الضَّرِيبَةِ ؛ فَإِن أمَرَكُم أن تَنفِروا فَانفِروا ، وإن أمَرَكُم أن تُقيموا فَأَقيموا ؛ فَإِنَّهُ لا يُقدِمُ ولا يُحجِمُ ولا يُؤَخِّرُ ولا يُقَدِّمُ إلّا عَن أمري ، وقَد آثَرتُكُم بِهِ عَلى نَفسي لِنَصيحَتِهِ لَكُم ، وشِدَّةِ شَكيمَتِهِ عَلى عَدُوِّكُم» .۶
وكانت تعليماته عليه السلام الحكوميّة ـ المشهورة بـ «عهد مالك الأشتر» ـ أعظم وأرفع وثيقة للحكومة وإقامة القسط ، وهي خالدة على مرّ التاريخ . ۷
وكان معاوية قد عقد الأمل على مصر ، وحين شعر أنّ جميع خططه ستخيب بذهاب مالك إليها ، قضى عليه قبل وصوله إليها . وهكذا استُشهد ليث الوغى ،

1.وقعة صفّين : ص۴۹۹ ـ ۵۰۴ .

2.تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۵ .

3.الأمالي للمفيد : ص۷۹ ح۴ .

4.كلَّ السَّيفُ ، فهو كَلِيل : إذا لم يَقْطَع (النهاية : ج۴ ص۱۹۸) . والظُّبة: حدّ السيف والسنان والنّصل والخنجر وما أشبه ذلك (لسان العرب: ج۱۵ ص۲۲).

5.يقال : نَبا حدُّ السَّيف : إذا لم يَقْطَع (النهاية : ج۵ ص۱۱) .

6.نهج البلاغة : الكتاب ۳۸ .

7.نهج البلاغة : الكتاب ۵۳ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
942

بَيد أنّ مظهره الباهر الخالد قد تجلّى في الأيّام الأخيرة منها ، بخاصّة «يوم الخميس» و «ليلة الهَرير» .
وكان يوم الخميس وليلة الجمعة «ليلة الهرير» مسرحا لعرض عجيب تجلّت فيه شجاعته ، وشهامته ، واستبساله ، وقتاله بلا هوادة ، إذ خلخل نظم الجيش الشامي ، وتقدّم صباح الجمعة حتى أشرف على خيمة القيادة . ۱
وصار هلاك العدوّ أمرا محتوما ، وبينا كان الظلم يلفظ أنفاسه الأخيرة ، والنّصر يلتمع في عيون مالك ، تآمر عمرو بن العاص ونشر فخّ مكيدته ، فأسرعت جموع من جيش الإمام ـ وهم الذين سيشكّلون تيّار الخوارج ـ ومعهم الأشعث إلى مؤازرته ، فازداد الطين بلّةً بحماقتهم . وهكذا جعلوا الإمام عليه السلام في وضعٍ حَرِج ليقبل الصلح ، ويُرجعَ مالكا عن موقعه المتقدّم في ميدان الحرب . وكان طبيعيّا في تلك اللّحظة المصيريّة الحاسمة العجيبة أن يرفض مالك ، ويرفض معه الإمام عليه السلام أيضا ، لكن لمّا بلغه أنّ حياة الإمام في خطر ، عاد بروح ملؤها الحزن والألم ، فأغمد سيفه ، ونجا معاوية الَّذي أوشك أن يطلب الأمان من موت محقَّق ، وخرج من مأزق ضاق به ! ! ۲
وشاجر مالكٌ الخوارجَ والأشعثَ ، وكلّمهم في حقيقة ما حصل ، وأنبأهم ، بما يملك من بصيرة وبُعد نظر ، أنّ جذر تقدّسهم يكمن في تملّصهم من المسؤوليّة ، وشغفهم بالدنيا . ۳
وحين اقترح الإمام عليه السلام عبدَ اللّه بن عبّاس للتحكيم ورفَضه الخوارج والأشعث ، اقترح مالكا ، فرفضوه أيضا مصرِّين على يمانيّة الحَكَم ، في حين كان مالك يمانيّ

1.وقعة صفّين : ص۴۷۵ .

2.وقعة صفّين : ص۴۸۹ و ۴۹۰ .

3.وقعة صفّين : ص۴۹۱ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 396497
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي