نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين - الصفحه 485

الفصل الثالث : يختصّ بالمشهد الغَرويّ على مشرِّفه الصلاة والسلام

فاعلم أنّا روينا بأسانيدنا الصِّحاح عن نجيب الدِّين ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمّد بن عبد اللّه بن زُهرة ، عن محمّد بن شهرآشوب ، عن جَدّه ، عن الشيخ المفيد ، عن محمّد بن زكريا ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عائشة ، عن عبد اللّه بن حازم قال :
خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة نتصيّد ، فصرنا إلى ناحية الغريّين والثَّوية ، فرأينا ظَبْياً فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فجاولتها ساعةً ، ثمَّ لجأت الضبيُّ إلى أَكَمَةِ فسقطت عليها ؛ فسقطت الصقور والكلاب ، فتعجّب الرشيد من ذلك .
ثمَّ إنّ الظباء هبطت من الأكمة ، فسقطت الصقور والكلاب ، فرجعت الظباء إلى الأكمة ، فتراجعت عنها الكلاب والصقور ، ففعلت ذلك ثلاثاً ، فقال هارون : اركضوا ، فمَن لقيتموه ائتوني به . فأتوه بشيخ من بني أسد .
فقال هارون : ما هذه الأكمة ؟
قال : إنْ جعلتَ لي الأمان أخبرتُك!
قال : لك عهد اللّه وميثاقه أن لا اُهيّجك ولا اُؤذيك .
قال : حدّثني أبي عن أبيه أنّهم كانوا يقولون هذه الأكمة قبر عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، جعله اللّه حرماً لا يأوي إليه أحدٌ إلّا أمن .
فنزل هارون ودعا بماء فتوضّأ ، وصلّى عند الأكمة ، وتمرَّغ عليها ، وجعل يبكي . الحديث .

[ المعمّرون لقبر أمير المؤمنين عليه السلام ]

وقد اختلف النقل في أوّل مَن عَمَّر القبر الشريف ، وظاهر الأكثر أنّه هارون الرشيد لعنه اللّه ، وآخرون أنّه ابن زيد الداعي ؛ قال الديلمي في إرشاد القلوب بعد ذكر مجيء هارون الرشيد ـ لعنه اللّه ـ لقبره عليه السلام ، قال :
وأمر أن تُبنى قُبّة بأربعة أبواب ، فبني وبقي إلى أيّام السلطان عضد الدولة ، فجاء وأقام في ذلك الطرف قريباً من سنةٍ هو وعساكره ، فبعث فاُتي بالصُّنّاع والأساتيد من الأطراف ، وخَرّب تلك العمارة ، وصَرَف أموالاً كثيرة جزيلة ، وعمَّر عمارةً جليلةً حسنة ، وهي العمارة الّتي كانت قبل عمارة اليوم ۱ . انتهى كلام الديلمي .
وقال السيّد الشريف النسّابة أحمد بن عليّ بن الحسين الحسيني في كتابه المعروف بـ عمدة الطالب بعد ذكره زيارة الرشيد ـ لعنه اللّه ـ للقبر الشريف :
ثمّ إنّ هارون أمر فبُنيَ عليه قُبَّة ، وأخذ الناس في زيارته والدفن لموتاهم حوله ، إلى أن كان زمن عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي ؛ فعمّره عمارة عظيمة ، وأخرج على ذلك أموالاً جزيلة ، وعيَّن له أوقافاً ، ولم تزل عمارته باقية إلى ثلاث وخمسين وسبعمئة ، وكان قد ستر الحيطان بخشب الساج المنقوش ؛ فاحترقت تلك العمارة .
وجُدِّدت عمارة المشهد الشريف على ما هي عليه الآن ، وقد بقي من عمارة عضد الدولة قليل ۲ . انتهى موضع الحاجة .
وذَكرَ السيّد الشريف عبد الكريم بن أحمد بن طاووس في كتابه فرحة الغري :
ذَكر ابن طحّال أنّ الرشيد بنى عليه بنياناً بآجر أبيض أصغر من هذا الضريح اليوم من كلّ جانب بذراع ، ولمّا كشفنا الضريح الشريف وجدناه مبنيّاً عليه تربةً وجصّاً ، وأمر الرشيد أن يُبنى عليه قُبَّة ؛ فبُنِيَت من طينٍ أحمر ، وطرح على رأسها حِبرة خضراء ؛ وهي في الخزانة إلى اليوم ۳ . انتهى .
وأمّا ما يدلّ على أنّه ابن زيد الداعي : ما رواه الطبري في الدلائل عن حبيب بن الحسين ، عن عبيد بن خارجة ، عن عليّ بن عثمان ، عن فرات بن الأحنف ، عن الصادق عليه السلام في حديث زيارة أمير المؤمنين عليه السلام قال : «هاهنا قبر أمير المؤمنين ؛ أما إنّه لا تذهب الأيّام حتّى يبعث اللّه رجلاً ممتحناً في نفسه بالقتل ، يبني عليه حِصْناً فيه سبعون طاقاً .
قال حبيب بن الحسين :
سمعتُ هذا الحديث قبل أن يُبنى على الموضع شيء ، ثمّ إنَّ محمّد بن زيد وجَّه فبنى عليه ؛ فلم تمض الأيّام حتّى امتُحِن محمّد في نفسه بالقتل» ۴ . انتهى .
وقد صرَّح بأنّه لم يكن على القبر شيءٌ قبل بناء محمّد بن زيد ؛ ويؤيّده ما في كتاب المنتظم تصنيف الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي ؛ قال :
أنبأنا شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي قال : سمعتُ أبا الغنائم بن النرسي يقول : ما بالكوفة أحد من أهل السُّنّة والحديث إلّا اُبيّاً» ، وكان يقول : «توفّي بالكوفة ثلاثمئة وثلاثة عشر [رجلاً] من الصحابة لا يتبيّن قبر أحدٍ منهم ۵ إلّا قبر عليّ عليه السلام » .
و [قال :] «جاء جعفر بن محمّد ومحمّد بن عليّ بن الحسين عليهماالسلام فزارا ۶ الموضع من قبر أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، ولم يكن إذ ذاك القبر ، وما كان إلّا الأرض ، حتّى جاء محمّد بن زيد الداعي وأظهر القبر» ۷ . انتهى .
أقول : قد عيَّن السيّد ابن طاووس ، ومحمّد بن أبي طالب زمان عمارة محمّد بن زيد الداعي ؛ قال السيّد في الفرحة : «إنَّ محمّد بن زيد الداعي بنى المشهد الشريف الغروي أيّام المعتضد» ۸ ، انتهى .
وقد عرفتَ أنّ مبدأ خلافة المعتضد سنة تسع وسبعين ومئتين ، ومات سنة تسع وثمانين ومئتين ، وأمّا موت محمّد بن زيد فقد ذكر أبو الفداء في تاريخه [أنّه] سنة سبع وثمانين ومئتين ، قال :
[و] إنّ في هذه السنة سار محمّد بن زيد العلوي ـ صاحب طبرستان ـ إلى خراسان ؛ لمّا بلغه أسر الصفّار ليستولي عليها ، فجرى بينه وبين عسكر إسماعيل الساماني قتالٌ شديد ، ثمّ انهزم عسكر العلوي ، وجُرح جراحاتٍ عديدة ، ثمّ مات محمّد بن زيد العلوي ـ صاحب طبرستان المذكور ـ من تلك الجراحات بعد أيّام ، واُسِرَ ابنه في الوقعة ، وحُمل إلى إسماعيل الساماني فأكرمه ووسَّع عليه ، وكان محمّد بن زيد أديباً فاضلاً شاعراً حسن السيرة رحمه اللّه ۹ .
ويظهر من بعض العبائر أنّ الذي عمَّر المشهد الشريف الحسن بن زيد الداعي أخو محمّد بن زيد الداعي ، وأنّه أوّل مَن بنى عليه حائطاً ، ولم يكن قبل ذلك إلّا الصندوق الذي عمَّره داوود العبّاسي .
قال السيّد الشريف عبد الكريم بن أحمد بن موسى بن طاووس في فرحة الغري :
أخبرني عمّي السعيد [رضيّ الدِّين] ۱۰ عليّ بن موسى بن طاووس ، والفقيه نجم الدِّين أبو القاسم بن سعيد ، والفقيه المقتدى بقيّة المشيخة نجيب الدِّين يحيى بن سعيد ـ أدام اللّه بركتهم كلّهم ـ عن الفقيه محمّد بن عبد اللّه بن زُهرة الحسيني ، عن محمّد بن الحسن العلوي الحسيني الساكن بمشهد الكاظم عليه السلام ، عن القطب الراوندي ، عن محمّد بن عليّ بن المحسن الحلبي ، عن الشيخ الطوسي ، ونقلته من خطّه حرفاً حرفاً ، عن المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن محمّد بن أحمد بن داوود ، عن أبي الحسين محمّد بن تمّام الكوفي ، قال :
«حدّثنا أبو الحسن عليّ بن الحسن بن الحجّاج [من حفظه قال : كنّا جلوساً في مجلس أبي عبد اللّه محمّد بن عمران بن الحجّاج] ؛ وفيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ ، وفيمن حضر العبّاسُ بن أحمد العبّاسي ، وكانوا قد حضروا عند ابن عمّي يهنّئونه بالسّلامة ؛ لأنّه حضر وقت سقوط سقيفة سيّدي أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ عليهماالسلام في ذي الحجّة من سنة ثلاث وسبعين ومئتين ، فبينا هُمّ قعودٌ يتحدّثون إذ حضر المجلس ۱۱ إسماعيل بن عيسى العبّاسي ؛ فلمّا نظرَت الجماعة إليه أحجمتْ عمّا كانت فيه ، وأطال إسماعيل الجلوس ؛ فلمّا نظر إليهم قال لهم : يا أصحابنا ـ أعزّكم اللّه ـ لعلّي قطعتُ حديثكم بمجيئي ؟
قال أبو الحسن عليّ بن يحيى السليماني وكان شيخ الجماعة ومقدّماً فيهم : لا واللّه يا أبا عبد اللّه ـ أعزّك اللّه ـ ما أمسكنا بحالٍ من الأحوال .
فقال لهم : «يا أصحابنا! اعلموا أنّ اللّه عز و جل سائلي عمَّا أقول لكم وما أعتقده من المذهب» ، حتّى حَلف بعتق جواريه ومماليكه وحبس دوابِّه أنّه لا يعتقد إلّا ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام والسّادات من الأئمّة ، وعدَّهم واحداً واحداً . . وساق الحديث .
فانبسط إليه أصحابنا ، وسألهم وسألوه . .
ثمّ قال لهم : رجعنا يوم الجمعة من الصّلاة من المسجد الجامع مع عمّي داوود ؛ فلمّا كان قِبَل منازلنا وقِبَل منزِلِه ـ وقد خلا الطريق ـ قال لنا : «أينما كُنتم قبل أن تغرب الشمس فصيروا إليَّ ، ولا يكونن أحدٌ منكم على حالٍ فيتخلّف» ، وكان مطاعاً ؛ لأنّه كان جمرة بني هاشم ، فصرنا إليه آخر النهار ، وهو جالس ينتظرنا .
فقال : صيحوا بفلانٍ وفلان ـ من الفَعَلَة ـ فجاءه رجلان معهما آلتهما ، والتفت إلينا فقال : اجتمعوا كلّكم فاركبوا في وقتكم هذا ، وخذوا معكم الجمل ـ يعني غلاماً كان له أسود يُعرف بالجمل ، وكان لو حمل هذا الغلام على سكر دجلة لسكرها من شدّة بأسه ـ وامضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به الناس ويقولون : «إنّه قبر عليٍّ» ، حتّى تنبشوه ، وتجيئوني بأقصى ما فيه .
فمضينا إلى الموضع فقلنا : «دونكم وما أمر به» ؛ فحفر الحفّارون ، وهم يقولون : «لا حول ولا قوّة إلّا باللّه » في أنفسهم ، ونحن في ناحيةٍ حتّى نزلوا خمسة أذرع ، فلمّا بلغوا إلى الصلابة قال الحفّارون : «قد بلغنا إلى موضعٍ صلبٍ ، وليس نقوى بنقره» ، فأنزلوا الحبشي فأخذ المنقار ، فضرب ضربةً سمعنا لها طنيناً شديداً في البرِّ ، ثمَّ ضرب ثانيةً فسمعنا طنيناً أشدّ من ذلك ، ثمَّ ضرب الثالثة فسمعنا أشدّ ممّا تقدّم ، ثمَّ صاح الغلام صيحةً ، فقمنا وأشرفنا عليه ، وقلنا للّذين كانوا معه : «سلوه ما باله ؟» فلم يجبهم وهو يستغيث ، فشدُّوه وأخرجوه بالحبل ، فإذا على يده ـ من أطراف أصابعه إلى مرافقه ـ دمٌ ، وهو يستغيثُ ، لا يكلّمنا ولا يحير جواباً ، فحملناه على البغل ، ورجعنا طائرين ، ولم يزل لحم الغلام ينتشر من عضده وجنبيه ۱۲ وسائر شقِّه الأيمن ؛ حتّى انتهينا إلى عمّي .
فقال : أيش وراءكم ؟
قلنا : ما ترى! وحدّثناه بالصورة ، فالتفت إلى القبلة ، وتاب عمّا هو عليه ، ورجع عن المذهب ، وتَولّى وتبرّأ ، وركب بعد ذلك في الليل على مصعب بن جابر ، فسأله أن يعمل على القبر صندوقاً ، [ولم يخبره بشيء ممّا جرى ، ووجّه مَن طمّ الموضع ، وعمَّر الصندوق عليه] ، ومات الغلام الأسود من وقته .
قال أبو الحسن بن الحجّاج : رأينا هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفاً ، وذلك قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد» .
وهذا آخر ما نقلته من خطّ الطوسي رضى الله عنه .
أقول : قد ذكر هاهنا الشريف أبو عبد اللّه محمّد بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن الحسين بن عبد الرحمن الشجري بالإسناد المتقدِّم إليه : حدّثني أبو الحسن محمّد بن أحمد [بن] عبد اللّه الجواليقي لفظاً قال : أخبرنا أبو جعفر محمّد بن محمّد بن الحسين [بن هارون] إجازةً وكتبته من خطّ يده ، قال : أخبرنا عليّ بن الحسين الحجّاج إملاءً من حفظه ، قال :
«كنّا في مجلس عمّي أبي عبد اللّه محمّد بن عمران بن الحجّاج . . .» وتمَّم الحديث على نحو ما ذكرناه ، ولم يقل : «ابن عمّي . . .» ، وفيه تغيير لا يضرُّ طائلاً .
وقال في آخره : الحسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام المعروف بالداعي بطبرستان .
أقول : هذا الحسن بن زيد ـ صاحب الدعوة بالري ـ قتله مرداويج ، مَلِك بلاداً كثيرة .
قال الفقيه صفيّ الدِّين محمّد بن معد رحمه الله : وقد رأيت هذا الحديث بخطّ أبي يعلى محمّد بن [الحسن بن] حمزة الجعفري ۱۳ صهر الشيخ المفيد ، والجالس ـ بعد وفاته ـ مجلسه .
أقول : وقد رأيته بخطّ أبي يعلى [الجعفري أيضاً في كتابه ، كما ذكر صفيّ الدِّين أيضاً ، ورأيته أنا من خطّ أبي يعلى] ، ورأيت هذا في مزار ابن داوود القمّي [وهو] عندي في نسخةٍ عتيقةٍ مقابَلَةٍ بنسخته ، مكتوبٌ عليها ما صورته : «قد أجزتُ هذا الكتاب ـ وهو أوّل كتاب الزيارات من تصنيفي وجميع مصنّفاتي ورواياتي ـ ما لم يقع فيها [سهوٌ ولا ]تدليسٌ ؛ لمحمّد بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن سميع أعزّه اللّه ، فليروِ ذلك [عنّي] إذا أحبَّ ، ولا حرج عليه أن يقول أخبرنا أو حدَّثنا ؛ وكتب محمّد بن أحمد بن داوود القمّي في شهر ربيع الأوّل ۱۴ سنة ستّين وثلاثمئة ؛ حامداً للّه وشاكراً ، وعلى نبيّه مصلِّياً ومُسلِّماً» .
وهذه الرواية مطابقة لما أورده الطوسي بخطّه .
انتهى كلام ابن طاووس في فرحة الغري ۱۵ .
أقول : داوود الهاشمي هو داوود بن عيسى بن موسى بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس .
وحاصل الحديث بطرقه المتكثّرة الّتي عرفتها برواية شيوخ الشيعة وعلماء الطائفة أنّه لم يكن عليه شيءٌ قبل أن يعمّر الصندوق عليه ، وأنّ بعده بناء الحائط الذي بناه الحسن بن زيد المذكور .
ثمّ أخرج بعد هذا الحديث حديثاً آخر بإسناده عن الشريف أبو عبد اللّه الحسني المتقدِّم ذكره ، قال :
[قال :] حدّثنا أبو الحسن محمّد بن الحسين ۱۶ بن عبد اللّه الجواليقي بقراءته ۱۷ عَليَّ لفظاً ، وكتب لي بخطّه ؛ قال : أخبرنا أبي ؛ قال : أخبرنا جدّي أبو اُمّي محمّد بن عليّ بن رحيم [الشيباني ، قال : «مضيتُ أنا ووالدي عليّ بن رحيم وعمّي حسين بن رحيم] ۱۸ ، وأنا صبيٌّ صغير في سنة نيِّفٍ وستّين ومئتين باللّيل ، ومعنا جماعة مختفين إلى الغريّ لزيارة قبر مولانا أمير المؤمنين [عليّ عليه السلام ] ۱۹ ، فلمّا جئنا إلى القبر ، وكان يومئذٍ حول قبره ۲۰ حجارةٌ سُود ، ولا بناءَ حوله عنده ، وليس في طريقه غير قائم ۲۱ الغريّ .
فبينا نحن عنده ـ وبعضنا يقرأ وبعضنا يُصلّي وبعضنا يزور ـ إذا نحن بأسدٍ مُقبلٍ نحونا ، فلمّا قرُب منّا مقدار رمح قال بعضنا لبعض : أبعدوا عن القبر حتّى ننظر ما يريد! فأبعدنا فجاء الأسد إلى القبر ، فجعل يُمرِّغ ذراعه على القبر ، فمضى رجلٌ منّا فشاهده وعاد ، فأعلمنا فزال الرُّعب عنّا ، وجئنا بأجمعنا حتّى شاهدناه يُمرِّغ ذراعه على القبر وفيه جراحٌ ، فلم يَزل يُمرِّغه ساعةً ، ثمَّ انزاح عن القبر ومضى ، وعدنا إلى ما كنّا عليه من القراءة والصّلاة والزيارة و[قراءة] ۲۲ القرآن» ۲۳ ، انتهى بلفظه .
وقد تضمّن أنّه : «إلى سنة نيّفٍ وستّين ومئتين لا بناءَ حوله» . وفي نسخة : «لا بناء عنده» ، والمعنى واحدٌ ، بحيث جاء الأسد إلى القبر الشريف ، ومرَّغ ذراعه على القبر ، وهذا لا ينافي ما تقدَّم نقله الدالّ على أنّ أوّل البناء كان بأمر الداعي ابن زيد ؛ سواء كان هو محمّد بن زيد الداعي أو أخوه الحسن بن زيد الداعي ؛ لأنّ الحسن بن زيد ابن محمّد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط ، وهو الداعي الكبير والداعي الأوّل ، فكان ظهوره بطبرستان سنة خمسين ومئتين ، وتوفّي سنة سبعين ومئتين ، فيمكن أن يكون عمّره قبل موته بسنوات .
وكذلك إن كان المُعمِّر أخوه محمّد ؛ فقد مَلَكَ بعد أخوه محمّد بن زيد طبرستان ، وأقام بها سبع عشرة سنة وسبعة أشهر ، واستولى على تلك الدِّيار حتّى خَطَبَ له رافع بن هرثمة بنيسابور ، ثمَّ حاربه محمّد بن هارون ، والسرخسي ـ صاحب إسماعيل بن أحمد الساماني ۲۴ ـ فقتله وحَمل رأسه ـ وابنَه زيد بن محمّد ـ إلى بُخارى ، ودفن بدنه بجرجان عند قبر الدِّيباج محمّد ابن الصادق عليه السلام ، وكانت وفاة محمّد بن زيد الداعي سنة سبع وثمانين ومئتين ، فيكون قد تَملّك ـ بعد سنة نيّفٍ وستّين ومئتين ـ عشرين سنة ، فلا ينافيه الحدّ ، ولكنّه ينافي ما دلَّ على أنَّ أوّل مَن عمّره الرشيد ـ لعنه اللّه ـ لأنّ الرشيد بُويع سنة سبعين ومئة ، ومات سنة ثلاث وتسعين ومئة .
وكذلك ما تضمّنه الحديث الطويل الدالّ على حكاية الصندوق ؛ فإنّه ينافي ما دلَّ على بناء الرشيد ، ولا ينافي غيره ؛ بل صرّح ابن الحجّاج بأنّه كان رآه قبل أن يُبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد الداعي .
اللّهُمَّ إلّا أن يُقال : حديث الصندوق لا يدلّ على نفي ما نُقل من بناء الرشيد القُبّة ؛ أقصاه أنّه عَمَل داوود على القبر صندوقاً ، وقال ابن الحجّاج : إنّه رأى الصندوق قبل بناء الحائط الذي بناه الداعي ، إنّما يريد قبل بناء الحصار ۲۵ الذي بناه ابن زيد الداعي ، فإنّه بنى عليه صحناً يشتمل ۲۶ على سبعين طاقاً ؛ كما عرفتَ في حديث الطبري في الدلائل ۲۷ .
وهذا أقصى ما يجمع فيه بين النقول المختلفة المذكورة ، ولكن في بعضها نفي الشيء ۲۸ من البناء بقولٍ مطلق قبل بناء ابن زيد الداعي ، والنقل بذلك أصحّ سنداً وأكثرُ عدداً ، ومع ذلك لا يبعد دعوى القطع ۲۹ ببناء الرشيد القُبّة على القبر الشريف . . واللّه أعلم .
فيكون قد تجدّد مشهد أمير المؤمنين عليه السلام أربع مرّات قبل هذه العمارة الأخيرة الموجودة :
الاُولى : بناء الرشيد ـ لعنه اللّه ـ قبّةً بأربعة أبواب من طين أحمر ، وطرح على رأسها جرَّة خضراء ، وأمّا نفس الضريح فبناؤه بآجر أبيض ؛ كما تقدّم نصّ ذلك عن الديلمي وابن طاووس وابن طحّال وغيرهم .
الثانية : عمارة ابن زيد الداعي ؛ محمّد بن زيد أو أخيه الحسن ؛ كما قال محمّد بن أبي طالب في زينة المجالس ، قال :
خرج الداعيان الحسن ومحمّد ابنا زيد بن الحسن ، فأمر محمّد بعمارة المشهدين ـ مشهد أمير المؤمنين عليه السلام ومشهد أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام ـ وأمر بالبناء عليهما .
أقول : بنى عليهما حِصناً فيه سبعون طاقاً ؛ كما تقدّم من حديث حبيب بن الحسين في الدلائل .
الثالثة : بناء عضد الدولة بن بويه أيّام الطائع بن المطيع كما تقدّم ، ويظهر من الحسن بن أبي الحسين الديلمي أنّ عمارة عضد الدولة كانت بعد عمارة هارون الرشيد ـ لعنه اللّه ـ ، وقال ما لفظه :
وأمر أن تُبنى قُبّة بأربعة أبواب فبُنيت ، وبقي إلى أيّام السلطان عضد الدولة ؛ فجاء فأقام في ذلك الطريق قريباً من سنة هو وعساكره ، فبعث فاُتِي بالصُّنّاع والاُستاد له من الأطراف ، وخرَّب تلك العمارة ، وصَرَف أموالاً كثيرة جزيلة ، وعمَّر عمارة جليلة حسنة ، هي العمارة الّتي كانت قبل عمارة اليوم . انتهى .
فيدلّ [على] أنّه لم يكن بين عمارة الرشيد ـ لعنه اللّه ـ وعمارة عضد الدولة عمارةٌ أصلاً ؛ بل عضد الدولة خرَّب عمارة الرشيد وعمَّر عمارته .
وهذا وهمٌ وغلطٌ ؛ فإنّ عضد الدولة استولى على العراق سنة سبع وستّين وثلاثمئة ، وكانت ولايته بالعراق خمس سنين ونصف ، وترك في شوّال في ثامنه سنة اثنين وسبعين وثلاثمئة ، والداعيان كان ظهورهما وتَملّكهما طبرستان سنة خمسين ومئتين ، وتوفّي الحسن سنة سبعين ومئتين ، وموت أخيه محمّد سنة سبع وثمانين ومئتين ؛ فلا يمكن أن تكون عمارة الداعي متأخّرة عن عمارة عضد الدولة ، ولا أنّها لم تكن ؛ للاتّفاق على ذلك من كلّ أهل العلم بالآثار ، أقصاه الخلاف في أنّ عمارة الداعي هي الاُولى أو عمارة الرشيد ؟ وأمّا أصل عمارة السيّد الداعي لمشهد أمير المؤمنين عليه السلام فلا خلاف فيه من أحدٍ ، فليس من الديلمي إلّا سهو القلم ، وهذا ابن الطحال ذكر بناء الرشيد ثمَّ بناء محمّد بن زيد ، إلى أن قال :
إنّ عضد الدولة تولّى عمارته ، وأرسل الأموال ، وتاريخ فراغها مكتوب على حائط القُبّة . . . ممّا يلي الرأس الكريم قدر قامة من الرأس ، فليتحقّق منها . انتهى .
أقول : وقد رأى ابن بطوطة عمارة عضد الدولة سنة سبع وعشرين وسبعمئة عند وروده من مكّة المعظّمة ، قال :
فنزلنا مدينة مشهد عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه بالنجف ، وهي مدينة حسنة في أرض فسيحة صلبة ، من أحسن مدن العراق ، وأكثرها ناساً ، وأتقنها بناءً ، ولها أسواق حسنة نظيفة ، دخلناها من باب الحضرة ؛ فاستقبلنا سوق البقّالين والطبّاخين والخبّازين ، ثمَّ سوق الفاكهة ، ثمَّ سوق الخيّاطين والقيساريّة ، ثمَّ سوق العطّارين ، ثمَّ باب الحضرة حيث القبر الذي يزعمون أنّه قبر عليّ عليه السلام ، وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة ، وحيطانها بالقاشاني ، وهو شبه الزليج ۳۰ عندنا ، لكنَّ لونه أشرق ، ونقشه أحسن .
ـ ثمّ قال : ـ ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفيّة من الشيعة ، ولكلِّ واردٍ عليها ضيافة ثلاثة أيّام من الخبز واللّحم والتمر مرَّتين في اليوم ، ومن تلك المدرسة يُدخَل باب القُبّة ، وعليها الحُجّاب والنقباء والطواشيَّة ۳۱ ؛ فعندما يصل الزائر يقوم إليه أحدهم أو جميعهم ، وذلك على قَدْرِ الزائر ، فيقفون [معه ]على العتبة ويستأذنون له ، فيقولون : «عن أمركم يا أمير المؤمنين ؛ هذا العبد الضعيف يستأذن على دخوله للروضة العليَّة ، فإن أذنتم [له] و إلّا رجع ، و إن لم يكن أهلاً لذلك فأنتم أهل المكارم والسَّتْر» ، ثمّ يأمرونه بتقبيل العتبة وهي من فضّة ، وكذلك العضادتان ، ثمَّ يدخل القُبّة ، وهي مفروشة بأنواع البُسُط من الحرير وسواه ، وبها قناديل الذهب والفضّة ، منها الكبار والصغار ، [و] في وسط القُبَّة مسطبة مربَّعة مَكسوّة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المُحكَمَة العمل مُسمَّرة بمسامير الفضَّة ، قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء ، وارتفاعها دون القامة ، وفوقها [ثلاثة] من القبور ، يزعمون [أنّ] أحدها قبر آدم عليه السلام ، والثاني قبر نوح عليه السلام ، والثالث قبر عليّ عليه السلام ، وبين القبور طسوت ذهبٍ وفضّةٍ ؛ فيها ماء الورد والمِسْك وأنواع الطيب ، يغمس الزائر يده في ذلك ، ويدهن به وجهه تبرّكاً ، وللقبّة بابٌ آخر عتبته أيضاً من الفضّة ، وعليه ستورٌ من الحرير المُلوَّن ، يفضي إلى مسجد مفروش بالبُسُط الحِسان ، ومستورةٌ حيطانه وسقفه بستور الحرير ، وله أبواب أربعة عتباتها فضّة ؛ وعليها ستور الحرير» ۳۲ . انتهى موضع الحاجة .
أقول : المسجد المذكور هو ما كان بناه عِمران بن شاهين في أيّام عضد الدولة بعد عمارة عضد الدولة ، وكان قد استوزره عضد الدولة ، وله حكايةٌ عجيبةٌ ذكرها ابن طاووس في فرحة الغري ۳۳ ، وبعدما نقلها قال :
أقول : وبنى الرواق المعروف برواق عِمران في المشهدين الشريفين ؛ الغريّ والحائري ـ على مُشرِّفهما السلام ۳۴ ـ انتهى .
أقول : و إلى الآن يُعرَف الباقي منه في دهليز باب الطوسي بمسجد عِمران .
ثمّ اعلم أنَّ عمارة عضد الدولة احترقت في سنة ثلاث وخمسين وسبعمئة ، ولم يبقَ منها إلّا القليل ؛ لأنّه رحمه الله كان قد ستر الحيطان بالخشب الساج المنقوش .
الرابعة : العمارة الكائنة بعد احتراق عمارة عضد الدولة ؛ قال السيّد الشريف النسَّابة في عمدته بعد ذكره الحريق المذكور ما هذا لفظه :
وجُدِّدت عمارة المشهد على ما هي عليه الآن ، وقد بقي من عمارة عضد الدولة قليل ، وقبور آل بويه هناك ظاهرةٌ مشهورةٌ لم تحترق ۳۵ . انتهى .
وكذلك كلام الديلمي يدلُّ على تجديد العمارة بعد عمارة عضد الدولة ، قال : «وعُمِّر عمارة جليلة حسنة ، وهي العمارة الّتي كانت قبل عمارة اليوم» ، والديلمي و[الشريف ]النسَّابة من أهل المئة الثامنة .
وقال محمّد بن سليمان بن زوير السليماني ۳۶ :
اُخبرتُ أنّ العمارة الكائنة بعد احتراق عمارة عضد الدولة ، وقبل هذه العمارة الموجودة الآن كان على القبر الشريف ميلٌ مثل عمارة الصاحب عليه السلام . انتهى . ولم أتحقّق صاحبها .
الخامسة : العمارة الموجودة الآن ، وكان الابتداء بها بأمر السلطان الأعظم الشاه صفيّ ۳۷ ـ قدّس اللّه روحه ـ سنة سبعٍ وأربعين وألف ، كما ذكره صاحب البحر المحيط ۳۸ ، واشتغلوا بها إلى أن توفّي الشاه صفيّ سنة اثنين وخمسين وألف ، ولمّا قام ابنه الشاه عبّاس الثاني ۳۹ مقامه أتمّها ، واشتهر بين أهل النجف أنّها عمارة الشاه عبّاس بهذا الاعتبار ، و إلّا فقد صرَّح السيّد العلّامة السيّد شرف الدِّين عليّ النجفي في حواشيه على الرسالة الاثني عشريّة للشيخ حسن صاحب المعالم : أنّ العمارة كانت بأمر الشاه صفي والد الشاه عبّاس المذكور حيث ذكر كلاماً له في محراب مسجد الكوفة وحائطه القُبلي ، وأنّ فيها تيامناً عكس ضريحه المقدَّس ، قال ما هذا لفظه :
ووقت عمارته بأمر السلطان الأعظم شاه صفيّ قدّس اللّه روحه ، قلتُ للمعمار : «غيِّره إلى التَّيامن» فغيَّره ، ومع هذا فيه تياسرٌ في الجملة ، ومخالفٌ لمحراب الكوفة . انتهى .
وقال الشيخ الفاضل المتبحّر محمّد بن سليمان بن زوير السليماني :
والذي ثبت عندي أنّ أوّل عمارته الموجودة الآن كانت سنة سبع وأربعين وألف ، والشاه صفيّ قد توفّي سنة اثنين وخمسين وألف ، والمشهور بين أهل المشهد أنّ العمارة كانت في أكثر من عشرين سنة ، ولا يستقيم ذلك إلّا بأن يكون مبدأ العمارة كان زمن الشاه صفيّ ، وأنَّ إتمامها كان على يدي الشاه عبّاس ، واللّه العالم . انتهى .
أقول : لا حاجة إلى هذا ؛ فقد نصَّ السيّد العلّامة السيّد شرف الدِّين ۴۰ بأنّها كانت بأمر الشاه صفيّ الصفوي ، وهو من أهل ذلك العصر ، والسيّد من علماء المشهد الشريف ؛ فليس إلّا ما ذكر بالنقل لا بالحدس والجمع ، واللّه أعلم .
ثمّ اعلم أنّه ظهر لك ممّا ذكرنا كذب ما اشتهر عند أهل النجف أنّ المباشر للعمارة الشريفة ـ من قِبَل الشاه عبّاس ـ ، الشيخ البهائي رحمه الله ، وأنّها كانت بتأسيسه ورأيه ؛ فإنّ الشيخ البهائي إنّما كان زمن الشاه عبّاس الأوّل ، وتوفّي سنة إحدى وثلاثين وألف ؛ قبل الابتداء بالعمارة المذكورة بتسعة عشر سنة ، ولا خلاف في ذلك لأحدٍ من الفريقين الخاصّة والعامّة ، كما لا يخفى على الخبير .
وليس المعمِّر للعمارة الصفويّة الشاه عبّاس الأوّل ، بل الشاه صفيّ وابنه الشاه عبّاس الثاني ، وقد صحّ : «رُبَّ مشهورٍ لا أصل له» ، حتّى إنّي سمعتُ يوماً من بعض أهل العلم أنّ للشيخ البهائي رسالة في كيفيّة ما صنعه ورتَّبه في عمارة الحضرة والصحن أيّام مباشرته ، وأنّه هو الذي أخذ من مسجد عِمران بن شاهين وأدخله بالصحن الشريف ممّا يلي باب الطوسي ، وأنّه كانت فتواه جواز ذلك إذا اقتضته المصلحة . فقلت له : مِنْ أينَ لك هذه القول ، ولا أصل لشيءٍ منها ، والموجود في زُبُر العلماء خلافه ؟!
ثمّ ذكرت له تاريخ ابتداء العمارة الصفويّة ، وكلامَ السيّد العلّامة شرف الدِّين في شرحه على الاثني عشريّة ، وتاريخَ موت الشيخ البهائي ، فبُهِتَ الشيخ لمّا سمع ذلك ، وكم له من نظير في عدم التحقيق واشتهار ما لا أصل له .
وقد تضمّنت هذه الرسالة بعض ما اشتهر ممّا لا تصل له ممّا يتعلّق بعمارة المشهدين ، واللّه المُسدِّد .
ولنختم هذا الفصل بمثل ما ختمنا به الفصل المتقدِّم ، فنقول :
أمّا لفظ «الغريّ» فقد قال ياقوت في معجم البلدان ۴۱ :
والغريّ : فَعِيل بمعنى المفعول . والغَريّ : الحَسَنُ من كلّ شيءٍ ، يُقال : «رجلٌ غريُّ الوجه» إذا كان حسناً مليحاً ؛ فيجوز أن يكون الغَريّ مأخوذاً من كلّ واحد من هذين .
والغري : نُصُبٌ كان يذبح عليه العتائر ، والغريَّان طِرْبالان ؛ وهما بناءان كالصومَعَتين بظاهر الكوفة قرب قبر عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
قال ابن دُريد : الطِّربَال ؛ قطعةٌ من جبل ، أو قطعةٌ من حائط تستطيل في السماء وتميل ، وفي الحديث : كان عليه السلام إذا مرَّ بطربال مائلٍ أسرَع المشْيَ ، والجمع : الطرابيل . وقيل : الطربال : القطعة العالية من الجدار والصخرة العظيمة المُشرِفَة من الجبل ، وطرابيل الشام : صوامعها . والغَريَّان : خيالان من أخيلة حمى [فَيْد ، بينهما وبين فيد ستّة عشر ميلاً ، يطؤهما طريق الحاجّ ؛ عن الحازمي ، والخيال : ما نُصب في أرض ليُعْلَم أنّها حمى] ۴۲ فلا تقرب ، وحمى فيدٍ معروف ، وله أخيلة . وفيهما يقول الشاعر فيما أحسبُ :
وهل أرينَ بين الغَريَّين فالرَّجا
إلى مدفع الريّان سكناً۴۳تجاوزه ؟

لأنَّ الرجا والريَّان قريتان من هذا الموضع .
وقال ابن هَرْمَة :
أتمضي ولم تُلْمِم على الطلل القَفْر
لسلمى ورسمٍ بالغريَّين كالسطرِ

عَهِدنا به البيض المعاريب للصَّبا
وفارط أحواض الشباب الذي يَقْري

وقال السمهري العُكلي :
ونُبّئتُ ليلى بالغريَّين سَلَّمَت
عليَّ ودوني طخفةٌ ورجامها

عديد الحصى والإثل من بطن بيشة
طرفائها ما دام فيها كمامُها

قال : فأمّا الغريَّان بالكوفة فحَدّث هِشام بن محمّد الكلبي قال : حدّثني شرقي بن القُطامي قال : بعثني المنصور إلى بعض الملوك ؛ فكنتُ اُحدّثه بحديث العرب وأنسابها ، فلا أراه يرتاح لذلك ، ولا يعجبه .
قال : فقال لي رجلٌ من أصحابه : يا أبا المثنّى ، أيّ شيء الغريّ في كلام العرب ؟
قلت : الغريّ : الحسن ، والعرب تقول : «هذا رجلٌ غَريّ» ، و إنّما سُمِّيَا الغريَّين لحسنهما في ذلك الزمان ، و إنّما بني الغريّان اللّذان في الكوفة على مثل غريّين بناهما صاحب مصر ، وجعل عليهما حَرساً ، فكلّ من لم يُصلّ [لهما] قُتِلَ ؛ إلّا أن يخيِّره خصلتين ليس فيهما النجاة من القتل ولا الملك ، ويعطيه ما يتمنّى في الحال ثمَّ يقتله ، فغبر بذلك دهراً . . . .
ـ قال الحموي بعد ذلك : ـ قلتُ أنا : فالذي يقع لي ويغلبُ على ظنّي أنّ المنذر لمّا صنع الغريَّين ظاهر الكوفة سنَّ تلك السُّنَّة ، ولم يشرط قضاء الحوائج الثلاث الّتي كان يشترطها ملك مصر ، واللّه أعلم .
وأنَّ الغريّين بظاهر الكوفة بناهما المنذر بن امرئ القيس بن ماء السماء ، وكان السبب في ذلك أنّه كان له نديمان من بني أسد ؛ يُقال لأحدهما خالد بن نضلة ، والآخر عمرو بن مسعود ، فثَمِلا فراجعها الملك [ليلةً] في بعض كلامه ، فأمر ـ وهو سكران ـ فحُفر لهما حفيرتان في ظهر الكوفة ، ودفنهما حيَّين ، فلمّا أصبح استدعاهما فاُخبِرَ بالذي أمضاه فيهما ، فغمَّه ذلك ، وقصد حفرتهما ، وأمر ببناء طربالين عليهما ، وهما صَوْمعتان .
فقال المنذر : ما أنا بملكٍ إنْ خالف الناس أمري ؛ لا يمرُّ أحدٌ من وفود العرب إلّا بينهما ، وجعل لهما في كلّ سنة يوم بؤس ويوم نعيمٍ ؛ يَذبح في يوم بؤسه كلَّ مَن يلقاه ، ويَغري بدمه الطربالين ، فإن رُفعت له الوحش طلبتها الخيل ، و إن رُفع طائر أرسل عليه الجوارح حتّى يذبح ما يَعنّ ويُطلبان بدمه . ولبثَ [بذلك] بُرهةً من دهره ، وسمّى أحد اليومين يوم البؤس وهو الذي يقتل فيه ما ظهر له من إنسانٍ وغيره ، وسمَّى الآخر يوم النّعيم يُحسن فيه إلى كلّ من يلقاه من الناس ، ويحملهم ويخلع عليهم .
فخرج يوماً من أيّام بؤسه ؛ إذ طلع عليه عبيد بن الأبرص الأسدي الشاعر ، وقد جاء ممتدحاً ؛ فلمّا نظر إليه قال : هلّا كان الذبح لغيرك يا عبيد! فقال عبيد : «أتتك بحائنٍ رجلاه» فأرسلها مثلاً .
فقال له المنذر : أو أجَلٌ قد بلغ أناه .
فقال رجل ممّن كان معه : أبيت اللّعن! اتركه ؛ فإنّي أظنّ أنَّ عنده من حسن القريض أفضل ما تريد من قتله ، فاسمع ؛ فإن سمعتَ حَسناً فاستزده ، و إن كان غيره قتلته ، وأنت قادرٌ عليه .
فاُنزِلَ فطعم وشرب ، ثمّ دعا به المنذر ، فقال : زدنيه ما ترى .
قال : أرى المنايا بأعلى الحوايا .
ثمّ قال [له] المنذر : أنشدني ؛ فقد كان يعجبني شعرك!
فقال عبيد : «حال الجريضُ دون القريض ، وبلغ الحِزامُ الطُّبيين» فأرسلهما مَثَلين .
فقال له بعض الحاضرين : أنشد الملك هَبَلتك اُمّك!
[فقال عُبيد :] «وما قول قائل مقتول» فأرسلها مثلاً ، أي لا تدخل في همّك من لا يهتمّ بك .
قال المنذر : قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك .
قال عبيد : «مَنْ عزَّ بزَّ» ، فأرسلها مَثَلاً .
فقال المنذر : أنشدني [قولك :] أقفر من أهله ملحوبُ .
فقال عُبيد :
أقفر من أهله عبيدُ
فاليومَ لا يُبدي ولا يعيدُ

عَنّت له منيّةٌ نكودُ
وحان منها له ورودُ

فقال له المنذر : أسمعني ـ يا عُبيد ـ قولك قبل أن أذبحك! ، فقال :
واللّه إن متُّ ما ضرَّني
و إن عشت ما عشت في واحده

فأبلغ بنيَّ وأعمامهم
بأنَّ المنايا هي الوارده

لها مرّة فنفوس العباد
إليها و إن كرهت قاصده

فلا تجزعوا لحمامٍ دنا
فللموت مَا تَلِدُ الوالده

فقال المنذر : ويلك أنشدني! فقال :
هي الخمر [بالهزل] تكنّى الطِّلا
كما الذئب يُكنّى أبا جعدة

فقال له [المنذر :] يا عُبيد ، لابدَّ من الموت ، [وقد علمت] أنَّ النعمان ابني لو عرض لي يوم بؤسي لم أجد بُدّاً من أن أذبحه ، فأمّا إن كانت لك وكنتَ لها ، فاختر إحدى ثلاث خِلَال : إن شئتَ قصدتُك من الأكحل ، و إن شئتَ من الأبجل ، و إن شئت من الوريد .
فقال [عبيد] : أبيتَ اللعن ، خِلالٌ كساحيات : واردها شرُّ واردٍ ، وحاديها شرُّ حادٍ ، ومعاديها شرُّ معادٍ ، فلا خير فيها لمرتادٍ ، إن كنت لا محالة قاتلي فاسقني الخمر حتّى إذا ماتت لها مفاصلي ، وذهلت منها ذواهلي ، فشأنك وما تريد من مقاتلي .
فاستدعى له المنذر الخمر فشرب ؛ فلمّا أخذت منه وطابت نفسه ، وقدَّمه المنذر ، أنشأ يقول :
وخيَّرني ذو البؤس في يوم بؤسه
خلالاً أرى في كلّها الموت قد برقْ

كما خُيّرت عادٌ من الدهر مرّةً
سحائبُ ما فيها لذي خيره أنقْ

سحائب ريح لم توكّل ببلدةٍ
فتتركها إلّا كما ليلة الطَّلقْ

ثمّ أمر به المنذر ففُصِدَ حتّى نزف دمه ؛ فلمّا مات غرَّى بدمه الغريَّين ؛ فلم يزل على ذلك حتّى مرَّ به في بعض أيّام البؤس رجلٌ من طيّ يُقال له حنظلة ، فقُرِّب ليُقتل ، فقال : أبيت اللعن! إنّي أتيتك زائراً ، ولأهلي من بحرك مائراً ؛ فلا تجعل ميرتهم ما تورده عليهم من قتلي .
قال له المنذر : لابدَّ من قتلك ؛ فسَل حاجتك تُقض لك قبل موتك .
فقال : تؤجّلني سنة أرجع فيها إلى أهلي ، فأحكم فيهم بما اُريد ، ثمّ أسير إليك فيُنفذ فيَّ أمرُك .
فقال له المنذر : ومَن يكفلك أنّك تعود ؟ فنظر حنظلة في وجوه جلسائه ، فعرف شريك بن عمر بن شراحيل الشيباني ، فقال :
يا شريك يا ابن عمرو
هل من الموت محاله

يا شريك يا ابن عمرو
يا أخا من [لا] أخا له

يا أخا المنذر فكَّ اليو
م رهناً قد أناله

يا أخا كلّ مضافٍ
وأخا من لا أخا له

إنّ شيبانَ قبيلي
أكرمُ الناسُ رجاله

وأبو الخيرات عمرو
وشراحيل الحَمَاله

رَقباك اليوم في المجـ
ـدِ وفي حُسن المَقاله

فوثب شريك وقال : «أبيتَ اللعن! يدي بيده ودمي بدمه ، إن لم يعد إلى أجله» ؛ فأطلقه المنذر .
فلمّا كان من القابل قعد المنذر في مجلسه في يوم بؤسه ينتظر حنظلة ، فأبطأ عليهم فقُدِّم شريك ليُقتَل ؛ فلم يشعر إلّا وراكب قد طلع ، فإذا هو حنظلة ، وقد تحنَّط وتكفَّن ومعه نادبته [تندبه] ، فلمّا رأى المنذر ذلك عجب من وفائه ، وقال : ما حَمَلك على قتل نفسك ؟
فقال : أيُّها الملك ، إنَّ لي دِيناً يمنعني من الغدر . قال : وما دينُك ؟ قال : النصرانيّة . فاستحسن ذلك منه ، وأطلقهما معاً ، وأبطل تلك السُّنَّة ، وكان سبب تنصُّره وتنصّر أهل الحيرة فيما زعموا .
وروى الشرقي بن القُطامي قال : «الغريّ : الحسن من كلّ شيء ، و إنّما سمّيا الغريّين لحسنهما ، وكان المنذر بناهما على صورة غريَّين كان بعض [ملوك] مصر بناهما» .
وقرأتُ على ظهر كتاب شرح سيبويه للمبرد بخطّ الأديب عثمان بن عمر الصقلي النحوي الخزرجي ما صورته : «وجدتُ بخطّ أبي بكر السَّرَّاج رحمه الله على ظهر جزءٍ من أجزاء كتاب سيبويه : أخبرني أبو عبد اللّه اليزيدي قال : حدّثني ثعلب قال : مرَّ معن بن زائدة بالغريَّين ، فرأى أحدهما وقد شُعّت وهُدِم ، فأنشأ يقول :
لو كان شيء له أن لا يَبيد على
طول الزمان لما باد الغريّانِ

ففرَّق الدهر والأيّام بينهما
وكلّ إلفٍ إلى بَينٍ وهِجْرانِ»۴۴

وقال ۴۵ في لفظة «النَّجَف» بالتحريك :
هو بظهر الكوفة كالمسنَّاة تمنع مسيل الماء أن يعلو الكوفة ومقابرها ، والنجف : قشور الصّليّان ، وبالقرب من هذا الموضع قبر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، وقد ذكرتْهُ الشعراء في أشعارهم فأكثرت ۴۶ .
ثمَّ أخرج جملة منها .
وأخرج الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي في كتابه علل الشرائع بإسناده عن أبي بصير ، أنَّ أبا عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ النجف كان جبلاً ، وهو الذي قال ابن نوحٍ عليه السلام : «سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ»۴۷ ، ولم يكن على وجه الأرض جبلٌ أعظم منه ، فأوحى اللّه عز و جل إليه : يا جبل ، أيعتصم بك منّي! فتقطّع قِطعاً قطعاً إلى بلاد الشام ، وصار رملاً دقيقاً ، وصار بعد ذلك بحراً عظيماً ، وكان يُسمّى ذلك البحر بحر «نَيّ» ، ثُمَّ «جَفَّ» بعد ذلك ، فقيل : «نَي جَفَّ» فسُمّي بـ «نَي جف» ، ثمَّ صار بعد ذلك يسمّونه نجف ؛ لأنّه كان أخفّ على ألسنتهم ۴۸ . انتهى .
***
وقد انتهى ما يسَّر اللّه ـ جلَّ جلاله ـ من الجواب عن الأسئلة ، وقد حرّرته بيمناي الداثرة ، وأنا الأحقر الحسن بن السيّد الأوّاه السيّد هادي ـ طاب ثراه ـ من آل السيّد العلّامة السيّد صدر الدِّين طاب ثراه . ألّفتها بالتماس الأجلّ الأكرم صاحب الفضائل والتوفيقات ، المستوفي المعظَّم الميرزا اللركاني ـ دام توفيقه ـ في شهر جمادى الآخرة سنة 1326 هجرية .
وقد تمَّت استنساخاً على نسخٍ مستنسخةٍ على نسخةٍ مستنسخة على نسخة المصنّف العلّامة ـ دام ظلّه العالي ـ بيد الراجي من ربّه الغفران ، المعترف بالعصيان ، حسن بن السيّد هادي بن السيّد العالِم النقيّ السيّد موسى بن العلّامة السيّد حسن بن السيّد عليّ بن السيّد شكر بن السيّد مسعود بن السيّد إبراهيم بن السيّد حسن بن السيّد شرف الدِّين الموسوي نسباً الخرسان ۴۹ لقباً .
وكان ذلك عصر يوم الأربعاء ، الرابع من شهر ذي القعدة ، من شهور سنة الألف والثلاثمئة و إحدى وخمسين هجريّة ـ على مهاجرها ألف سلام وتحيّة ـ وكان ذلك في مشهد سيّدي ومولاي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه وعلى ابن عمّه وزوجته وذرّيته أفضل التحيّة وأزكى السلام ـ سنة 1351 هجريّة .

1.إرشاد القلوب ، ج۲ ، ص۴۳۶ .

2.عمدة الطالب ، ص۵۸ ـ ۵۹ .

3.فرحة الغري ، ص۱۲۲ .

4.دلائل الإمامة ، ص۴۵۹ .

5.في الأصل : لا يُدرى أحدٌ قبره .

6.في النسخة : فزار .

7.المنتظم ، ج۱۷ ، ص۱۵۱ .

8.فرحة الغري ، ص۱۵۱ .

9.تاريخ أبي الفداء ، ج۲ ، ص۵۸ .

10.الزيادات من فرحة الغري .

11.في المصدر : ـ المجلس .

12.في فرحة الغري : جسمه .

13.محمّد بن الحسن بن حمزة الجعفري ، الشريف أبو يعلى الطالبي ، صهر الشيخ المفيد ، متكلِّمٌ ، فقيه ، وله كتب ، وقد تولّى غسل السيّد المرتضى علم الهدى مع أبي العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي وسالار بن عبد العزيز ، توفّي يوم السبت ۱۶ رمضان سنة ۴۶۳ق .

14.في فرحة الغري : ربيع الآخر .

15.فرحة الغري ، ص۱۳۶ ـ ۱۴۱ .

16.في الأصل : الحسن .

17.في الأصل : بقراءة .

18.الزيادات من فرحة الغري .

19.الزيادات من فرحة الغريّ .

20.في فرحة الغريّ : وكان يومئذٍ قبره حوله حجارة مسندة .

21.يقصد به المنارة الّتي كان قد بناها النعمان بن المنذر بالحيرة على طريق الغريّ .

22.الزيادات من فرحة الغريّ .

23.فرحة الغري ، ص۱۴۱ ـ ۱۴۲ .

24.هو الأمير أبو إبراهيم إسماعيل بن أحمد الساماني ، نسبةً إلى جدّه سامان بن نوح . كان هو وآباؤه ملوك بخارى وسمرقند ، وله حروب مع الترك ، قلّده المعتضد باللّه العبّاسي ولاية خراسان وما يليها ، وكانت مدّة سلطنته سبع سنين . وتوفّي ببخارى في صفر سنة ۲۵۹ق ، وتملّك بعده ابنه أحمد .

25.المراد بالحصار : الحضار وزناً ومعنى ، من التحضير ؛ وهو حصر موضعٍ ما بسعف النخيل أو بالجصّ والآجر .

26.في الأصل المخطوط : يشمل .

27.دلائل الإمامة ، ص۴۵۹ .

28.الصواب : نفي شيءٍ .

29.في الأصل : الطع .

30.الزليج : نوع من القاشاني يصنع في بلاد المغرب ، وتزيّن به جدران المساجد والمدارس والترب .

31.الطواشيّة : جمع «طواشي» وهو الخصيّ .

32.رحلة ابن بطوطة ، ص۱۹۳ ـ ۱۹۴ .

33.فرحة الغري ، ص۱۴۷ .

34.فرحة الغري ، ص۱۴۸ .

35.عمدة الطالب ، ص۶۳ .

36.قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة (ج۹ ص۳۶۲) : الشيخ محمّد بن سليمان بن زوير السليماني من أهل القرن الثاني عشر وما بعده ، له جامع الأحكام والسنن . . . وله كتاب سرور الموالي ، يظهر منه أنّه من تلاميذ المولى أبي الحسن الشريف العاملي .

37.هو سادس ملوك الصفَويّة ، حكم إيران في سنة ۱۰۳۸ق لغاية ۱۰۵۲ق .

38.الظاهر أنّه كتاب البحر المحيط الذي ذكره الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الذريعة (ج۳ ص۴۵) بقوله : «البحر المحيط للمولى محمّد حسين بن محمّد مهدي السلطان آبادي المتوفّي بالكاظميّة سنة ۱۳۱۴ه . ق ، وقال ولده الشيخ عليّ : إنّه موجود عندي بالكاظميّة» .

39.هو سابع ملوك الصفويّة ، والمشهور بشاه عبّاس الكبير ، حكم إيران من سنة ۱۰۵۲ق لغاية ۱۰۷۷ .

40.هو السيّد شرف الدِّين عليّ النجفي في حواشيه على الرسالة الاثني عشريّة .

41.معجم البلدان ، ج۴ ، ص۱۹۶ مادّة «الغريان» .

42.الزيادات من معجم البلدان .

43.في الأصل : سكنى .

44.معجم البلدان ، ج۴ ، ص۱۹۶ ـ ۲۰۰ .

45.أي قال ياقوت الحموي .

46.معجم البلدان ، ج۵ ، ص۲۷۱ .

47.سورة هود : الآية ۴۳ .

48.علل الشرائع ، ج۱ ، ص۳۱ ، ح۱ .

49.من الاُسر العلويّة الشريفة والمعروفة في مدينة النجف الأشرف ، ترجع نسبها إلى السيّد إبراهيم المُجَاب ابن السيّد محمّد العابد ابن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وكانت تسمّى هذه الاُسرة سابقاً بآل المعصوم نسبةً إلى جدّهم السيّد أبي الحسن معصوم (من أعيان المئة الخامسة للهجرة) ، ثمّ اشتهروا بالخرسان وتلقّبوا به نسبةً إلى أحد أجدادهم وهو السيّد محمّد أبي الغنائم شرف الدِّين الأخرس . ومِن أفراد هذه الاُسرة مَن تشرّف بخدمة الروضة الحيدريّة المطهّرة ، ومنهم من دخل الحوزة العلميّة ودرس العلوم الإسلاميّة ، وصار من العلماء والفقهاء ، وقد أدركتُ عميد هذه الاُسرة الكريمة في عصره ، وهو العلّامة آية اللّه السيّد حسن الخرسان رحمه الله (۱۳۲۱ ـ ۱۴۰۵ق) الذي كان إماماً للحرم العلوي المطهّر ، وكان سيّداً مقدّساً ذا هيبة ووقار . ومن أعلام هذه الاُسرة آية اللّه السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الخرسان (المولود عام ۱۳۴۷ق) الفقيه وصاحب التحقيقات والتأليفات القيّمة . ومنهم آية اللّه السيّد محمّد رضا السيّد حسن الخرسان ، الفقيه المحقّق ومن علماء الحوزة العلميّة . ومنهم العلّامة السيّد صالح بن عبد الرسول الخرسان الذي كان له مشاركة فعّالة في الانتفاضة الشعبانيّة عام ۱۹۹۲م ، ثمّ هاجر إلى قم وسكن بها عقداً من الزمن ، كان رحمه الله سيّداً جليلاً ذا عفّة ووقار ، توفّي عام ۱۴۲۶ق بعد شهور من عودته إلى مسقط رأسه ، وأخيراً صديقنا المفضال العلّامة السيّد محمّد صادق محمّد رضا الخرسان من أساتذة الحوزة العلميّة وعلمائها .

الصفحه من 505