آداب الدعاء - الصفحه 216

و إذا صلّيتُ وحدي ولم يكن أحد سوى اللّه أفعلها وأنا كسلانا مستعجلاً ، تتراكم عليَّ الأشغال ، و إن لم يكن عندي شغلاً مرّةً أحكّ برأسي ومرّةً بجنبي ، وتارةً أتمطّى ، وتارةً أتثأّب ، مشغولة أفكاري في غير صلاتي ، أنقرها كنقر الغراب ، أهمّ ما يكون عندي إتمامها ، ولا أرى الفرق بين الحالتين سوى الريا ۱ والسمعة ؛ كما قال عليه السلام : علامة المرائي أن يكسل في الخلاء ، وينشط في الملأ .۲
فمن أين تقبل هذه الصلاة وقد صلّاها لغير اللّه تعالى؟ فَمَن كانت هذه صلاته فجدير أن يُضرب بها وجه صاحبها ، ويقالَ له : إنّك أشركتَ في عبادتك ، ولم تكن فعلتها خالصا لوجه اللّه تعالى ؛ كما وردتْ بذلك الروايات ، وأشارت إليه الآيات : «فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ * وَ يَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ»۳ ، «فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَــلِحًا وَ لَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا»۴ ، «وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَوةَ إِلَا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَا وَهُمْ كَـرِهُونَ * فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَ لُهُمْ وَلآَ أَوْلَـدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَـفِرُونَ»۵ .

1.قال ابن فهد الحلّي في عدّة الداعي (ص ۲۵۲ ـ ۲۵۳) : وحقيقته ـ أي الرياء ـ التقرّب إلى المخلوقين بإظهار الطاعة ، وطلب المنزلة في قلوبهم ، والميل إلى إعظامهم له ، وتوقيرهم إيّاه ، واستجلاب تسخيرهم لقضاء حوائجه ، والقيام بمهمّاته ، وهو الشرك الخفيّ . . . . واعلم أنّ الإسرار كما ندب إليه في الابتداء كذلك ندب إليه في ما بعد الدعاء ، فعليك ببقائه على إخفائه ، ولا تمحقه بإعلانه ، وتوخَّ الخلوة عن الناس ؛ فإنّها عون عظيم على ذلك ، وإن كنت مع الناس ترى نفسك أيضا مخلصا لا تشوبك شائبة قطّ ، فذلك أعلى درجات المخلصين ان تستوي غيبة الخلق وحضورهم عندهم ، وإنّما يتمّ ذلك بحقيقة المعرفة باللّه وبالخلق وشرف النفس وعلوّ الهمّة ، فاستوى عنده وجودهم وعدمهم ؛ ولعلّ إلى هذا أشار صلى الله عليه و آله بقوله : يا أبا ذرّ ، لا يفقه الرجل كلّ الفقه حتى يرى الناس أمثال الأباعر فلا يَحفِل بوجودهم ، ولا يغيّره ذلك كما لا يغيّره وجود بعير عنده .

2.روى ابن شعبة الحرّاني في تحف العقول (ص ۲۲) عن النبيّ صلى الله عليه و آله قوله : وأمّا علامة المرأئي فأربعة : يَحرِص في العمل للّه إذ ا كان عنده أحد ، ويكسل إذا كان وحده ، ويحرص في كلّ أمره على المحمدة ، ويحسن سَمته بجَهده . عنه بحار الأنوار ، ج ۱ ، ص ۱۲۲ .

3.سورة الماعون ، الآية ۴ ـ ۷ .

4.سورة الكهف ، الآية ۱۱۰ .

5.سورة التوبة ، الآية ۵۴ و ۵۵ .

الصفحه من 232