منتخبات نسمات الأسحار - الصفحه 193

رأيته في بعض مواقفه ومناجاته وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابصاً على لحيته، يتململ ويبكي ويقول:يا دنيا، غُرّي غيري؛ إليّ تشوّفت؟! هيهات هيهات قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها. 1

[ما حكي في سبب مفارقة عقيل له]

[و] سبب مفارقة أخيه عقيل رضى الله عنه له ـ كرّم اللّه وجهه ـ أنّه كان يعطيه كلَّ يومٍ من الشعير ما يكفي عياله، فاشتهى عليه أولاده مريساً، فصار يوفر كلّ يوم شيئاً قليلاً حتّى اجتمع عنده ما اشترى به سمناً وتمراً، وصنع لهم مريساً، فدعوا عليّاً إليه، فلمّا جاءه وقدّم له ذلك سأل عنه، فقصّوا عليه ذلك، فقال: [أ] وكان يكفيكم ذلك بعد الّذي عزلتم منه؟ قالوا / 22 /: نعم، فنقص ممّا كان يعطيه مقدار ما كان يعزله كلّ يوم، وقال: لا يحلّ لي أزيد من ذلك، فغضب عقيل رضى الله عنه، فحمى له عليّ ـ كرّم اللّه وجهه ـ حديدة وقرّبها من خدّه، وهو غافل، فتأوّه عقيل من حرّها، فقال له عليّ: تجزع من هذه، وتَعرضني لنار جهنم؟! فقال له: لأذهبنّ إلى من يعطيني تبراً ويطعمني تمراً.
فلحق بمعاوية وقد قال يوماً: «لولا علمه بأنّي خير له من أخيه ما أقام عندنا وتركه» ، فقال له عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرت دنياي، وأسأل اللّه خاتمة خير ۲ .
[روى] ابن عساكر أنّ عقيلاً سأل عليّاً فقال: إنّي محتاج، وأنا فقير فأعطني. قال: اصبر حتّى تخرج العطايا فأت مع المسلمين فاُعطيك معهم، فألحّ عليه فقال لرجل: خذ بيده فانطلق به إلى حوانيت أهل السوق، ودقّ هذه الأقفال، وخذ ما في هذه الحوانيت. فقال: تريد أن تتخذني سارقاً؟ قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقاً أن آخذ أموال المسلمين فاُعطيكها دونهم؟! قال: لآتين معاوية. قال: أنت وذلك. فأتى معاوية فأعطاه مئة ألف ، فقال له: اصعد المنبر فاذكر ما أولاك عليّ وما أوليتك أنا. فصعد المنبر فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس ، إنّي اُخبركم أنّي أردت عليّاً على دينه فاختار دينه عليّ، وإنّي أردت معاوية

1.سيأتي الحديث بتمامه قريباً فلاحظ .

2.الصواعق المحرقة، ص ۱۳۲. وقد نصّ بعض المحققين على أن ذهاب عقيل إلى معاوية كان بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام وصلح الإمام الحسن.

الصفحه من 302