منتخبات نسمات الأسحار - الصفحه 268

اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا» ، فأشار عليه عبد اللّه بن الزبير بالخروج، وأشار عليه عبد اللّه بن عبّاس وعبد اللّه بن عمر بعدم الخروج فلم يقبل.
فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل، فأخذ بيعتهم وأرسل إليه يستقدمه، فخرج الحسين من مكة قاصداً للعراق، ولم يُعلِم بخروجه ابنَ عمر، فخرج خلفه، فأدركه على ميلين من مكة فقال: ارجع، فأبى إلّا المسير، فقال: إنّي محدّثك حديثاً أنّ جبريل أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فخيَّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنّك بضعة منه، واللّه لايليها أحد منكم ـ يعني الخلافة ـ ، فقال: إنّ معي حملين من كتب أهل العراق ببيعتهم. فقال: ما تصنع بقوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك؟ فأبى إلّا المضيّ، فاعتنقه وبكى / 57 / وقال: استودعتك اللّه من قتيل. ثمّ سافر، فكان ابن عمر يقول: غَلَبَنا حسين بالخروج، ولعمري لقد رأى في أخيه واللّهِ عبرةً. 1
وكلّمه في مثل ذلك أيضاً من وجوه الصحابة جابر بن عبد اللّه وأبو سعيد الخدري وأبو واقد وغيرهم فلم يُطِع أحداً منهم 2 وصمّم على المسير، فقال له ابن عبّاس: واللّه إنّي لأظنّك ستُقتل بين نسائك وأبنائك وبناتك كما قتل عثمان. فلم يقبل، فبكى وقال:

1.كان الحسين عليه السلام يرى طريقه بوضوح؛ فهو أحبُّ أهل الأرض إلى أهل السماء كما تقدّم آنفاً عن ابن عمر، ولو صحّ نسبة هذا الكلام هنا عن ابن عمر فشكُّه في خروج الحسين إلى العراق في غير محله، إضافةً إلى أنّ الحسين وأخاه وأباه وجدّه لم يكن ما كان منهم منافسةً في سلطان أو طلباً للدنيا، بل كلّ ذلك كان من أجل هداية الناس. قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام : لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء أن لايقارّوا على كظّة ظالم، ولاسغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز. والكلام كله منقول من طبقات الصوفية ، ج ۱، ص ۱۴۴ .

2.بل أجاب كلّ واحد منهم بما فيه مقنع، لكنه كان يعزّ عليهم أن يتعرض ريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى القتل من جهة، ومن جهة اُخرى لم يكونوا يستوعبون الرسالة التاريخية الملقاة على عاتق الحسين في مجابهة الطغاة وإثارة روح العزة والكرامة في داخل المجتمع الإسلامي بعد أن خيّم الذل وفقدان الثقة بالنفس على المسلمين.

الصفحه من 302