منتخبات نسمات الأسحار - الصفحه 291

۰.وكان اللّه قد أوحى إليه:يا عيسى بن مريم، اذكرني في الدنيا أذكرك في المعاد.... اكحل عينيك بملمول الحزن، تيقّظ لي في ساعة الليل، أسمعني لذادة الإنجيل، إذا دخلتَ مسجداً من مساجدي ليضطربْ قلبك خوفاً منّي، ولتخشع جوارحك لي، وقل لقومك : إذا دخلوا مسجداً من مساجدي لا يدخلوا إلّا بقلوب خائفة وأبصارٍ خاشعة خافضة، وأيدٍ طاهرة من الدنس، وأخبرهم أنّي لا أستجيب دعاء ظالم حتّى يردّ المظلمة إلى صاحبها.
يا عيسى، إنّي ذاكر كلِّ مَن ذكرني، وألعن الظالمين إذا ذكروني. يا عيسى، لا تجالسوا الخاطئين حتّى يتوبوا.

۰.فقال عيسى عليه السلام للحواريين:يا معشر الحواريّين، لا تجالسوا الخاطئين ـ فإنّ مجالستهم تقسي القلب وهي معصية اللّه ـ حتّى يتوبوا من المعاصي، تقرّبوا إلى اللّه بمفارقتهم.
يا معشر الحواريّين: لا تحملوا على اليوم همّ غدٍ، حسب كلّ يوم همّه، ولايهتمّ أحدكم لرزق غدٍ؛ فإنكم لم تُخلقوا لغدٍ، وإنّما خُلق غدٌ لكم، فخالقُ الغد يأتيكم فيه بالرزق، ولا يقولنّ أحدكم إذا استقبل الشتاء: من أين آكل؟ ومن أين ألبس؟ وإذا استقبله الصيف يقول: من أين آكل؟ ومن أين أشرب؟ فإن كان لك في الشتاء بقاء فلك فيه رزق، وإن كان لك في الصيف بقاء فلك فيه رزق، ولا تَحمل همّ شتائك وصيفك عليّ يومك، حسب همّ كلّ يوم بما فيه / 68 /.
يا معشر الحواريّين، إنّ ابن آدم خُلق من الدنيا في أربعة منازل: فهو في ثلاثة منها باللّه واثق، وظنّه باللّه حسن، وفي الرابعة سيّئٌ ظنّه بربّه، يخاف خذلانه إياه، أمّا المنزلة الاُولى فإنّه يخلق في بطن اُمّه خلقاً بعد خلق في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة، يدرّ اللّه عليه رزقه في جوف ظلمة البطن، فإذا خرج من البطن وقع في اللبن، لا يسعى إليه بقدم، ولا يتناوله بيد، ولا ينهض إليه بقوّة، بل يُكره عليه حتّى يرتفع عن اللبن ويفطم، ويقع في المنزلة الثالثة بين أبويه يكسيان عليه، فإذا ماتا تركاه يتيماً فعطف عليه الناس يطعمه هذا ويكسوه هذا رحمة اللّه تعالى، وكذلك اللّه تعالى لايناول اللّه العباد شيئاً من يده إلى أيديهم، ولكن يرزقهم وينزل عليهم من خزائن ما عنده على يدي عباده بقدر ما يشاء، حتّى إذا بلغ منزلته الرابعة واستوى خلقه واجتمع وكان رجلاً؛ خشي أن لايرزقه اللّه ، اجترأ على الحرام، وعدا على الناس فقتلهم على الدنيا، فسبحان اللّه ما أبعد هذين الأمر بعضهما عن بعض! يحسن ظنه باللّه وهو صغير، وإذا كبر ساء ظنّه، فأوبق نفسه في طلب ما أكفل له به .
يا معشر الحواريّين، اعتبروا بالطير تطير في جوّ السماء، هل رأيتم طيراً قط يدّخر بالأمس رزق غدٍ؟ ألم تروه يأوي إلى وكره بغير شيءٍ ادّخره ثمّ يصبح غادياً مستبشراً فيعرض له رزقه، ثمّ يرجع كذلك إلى وكره؟ وكذلك البهائم والسباع والحيتان والوحوش، وابن آدم يدّخر رزق الأبد لو قدر عليه

الصفحه من 302