وأمّا تفريقه بين المعنى الواحد ، والمتون المتعدّدة ، فهو تفريق بلاموجب ، لأنّ المعنى الواحد إذا كان منقولا بطرق متعدّدة يبعد تواطؤ الرواة عليه فهو كاف في القناعة به وجعله حجّة ، وهذا هو المسمّى بالتواتر المعنوي ، فتخصيص الحجّية بما روى بمتن واحد ، لا دليل عليه ولا موجب ولا مخصّص.
والحاصل أنّ الكتب الحديثية في التراث الإسلامي مبتنية على أساس كثرة الأسانيد وتكرار المتون لفظاً أو معنىً في أبوابها من كتبهم بحيث يحصل العلم بما تدلّ عليه. وكذلك احتفافها بالقرائن الموجبة للاطمئنان في كثير من الأبواب والموارد.
وإذا كان مؤلّف المشرعة واقفاً على هذا ، فلماذا يحكم على أكثر أحاديث البحار ، وكذا سائر الكتب ، بأنّها لااعتبار لها.
ألا يعلم أنّه مع التواتر ، والاطمئنان ، فلا قيمة للسند ولا للبحث السندي ؟
ثمّ إنّه تغافل عن أمر مهمّ ، وهو أنّ المؤلّفين إنّما أثبتوا في كتبهم ما اشتهر عند الطائفة في زمانهم ، وثبت معناه باتّفاقهم ، وكأنّهم أثبتوا الأحاديث في الكتب أدلّة على ما عند الطائفة من آراء وملتزمات عقائدية وفقهية ، للتأكيد عليها والتأكّد منها . وحينئذ فلا يهمّ وجود السند فضلا عن معالجته ، ولذلك نجدهم يذكرون حتّى المراسيل ، لكونها في هذا الفرض وافية بالغرض ، وهو أنّ للطائفة مستنداً من الشرع من لسان الأئمّة(عليهم السلام).
ويدلّ على هذا الأمر نفس عناوين الأبواب التي وضعوها في كتبهم أنّها تحتوي على عبارات وصيغ موحّدة ، أو متقاربة ، ممّا يدلّ على أنّ الترجمة هي الأصل وأنّ ما تحته أدلّة عليه ۱ .
وإن لم يقنع مؤلّف المشرعة بهذا ، فليكن الاتّفاق على العنوان قرينة خارجية
1.للتوسع في أهميّة عناوين الأبواب ، لاحظ (علوم الحديث) العدد (۵) ص ۷ - ۸۳ بعنوان (عناوين الأبواب وتراجمها في التراث الإسلامي) .