شجر الغضا . فهذا هو الاستخدام بشكله الثاني .
 وأمّا توجيه البيت الآخر على طريقة المشهور بشكله الأوّل; فبأن نقول :
إذا نزل السماءُ بِأرضِ قوم *** رَعَيْناهُ وإِنْ كانُوا غِضابا
 فـ (السماء) استعملت وأراد بها (الماء) ، وأرجع الضمير في كلمة (رعيناه) على السماء، وأراد به النبات .
 الأمر الثاني : في الفرق بين التورية والاستخدام :
 إنّ الفرق بينهما يتّضح بعد بيان التورية فنقول : التورية وتسمّى الإيهام : وهي أن يطلق لفظٌ له معنيان قريبٌ وبعيدٌ ، ويراد به البعيد اعتماداً على قرينة خفيّة ، مثل ما عن أحدهم أنّه قال : «أمرني معاوية أن أسبّ عليّاً ألا فالعنوه» فإنّ الضمير في كلمة «فالعنوه» يراد به معاوية اعتماداً على قرينة خفيّة ، ويمكن أن نمثل لذلك ببيت الشعر المنسوب إلى سراج الدين الورّاق .
أصون أديم وجهي عن أناس *** لقاء الموت عندهم الأديب
وربّ الشعر عندهم بغيضٌ *** ولو وافى به لهم حبيبُ
 فكلمة (حبيب) لها معنيان : أحدهما : المحبوب ، وهو المعنى القريب الذي يتبادر إلى الذهن بسبب التمهيد له بكلمة بغيض .
 والثاني : اسم أبي تمّام الشاعر ، وهو حبيب بن أوس الطائي .
 وهذا المعنى الثاني بعيد ، وقد أراده الشاعر ، ولكنّه تلطّف فورّى عنه ، وستره بالمعنى القريب .
 فهذه هي التورية ، والمراد فيها أحد المعنيين فقط ۱  .
                         
                        
                            1.ولمزيد الاطلاع راجع كتب الفنّ، كالمختصر : ۳۷۵ ، والبلاغة الواضحة : ۲۷۶ ، والبرهان للزركشي ۳ : ۴۶۶ .