الاربعين في إثبات إمامة أمير المؤمنين (ع) - الصفحه 107

الخاتمة .
ونرد عليه : وأيّ وجاهة بقيت لهم ، بعد هتك حرمة الرسول و أهل بيته الذين أمر اللّه بمودّتهم و أوجب التمسّك بهم ، فهل وجب حمايتهم لكونهم من أتباع اُسامة وكونه أميرا عليهم ، أو لتخلّفهم عن جيشه ، بعد قوله صلى الله عليه و آله : «لعن اللّه من تخلّف عن جيش اُسامة !» أو ثبتت لهم بمخالفة كبار الصحابة ومواجتهم لهم بالأقوال الشنيعة المنقولة بعد واقعة السقيفة ؟ أم لزمت بتأخّر عليّ عن البيعة إلى مدّة مديدة مع قوله . على ما رواه هذا . . . عنه . «لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقّ وصلة رحم وعائدة كرم» الحديث ؟
أم وجبت بنسبتهم الهذيان ۱ إلى النبي صلى الله عليه و آله والقيام بالمنازعة بين يديه في حال وفاته ، مع أنّ اللّه تعالى يمدحه بآية : «وما ينطق عن الهوى»۲ ويأمر بترك رفع الصوت عنده ؟
أم وجبت بغصبهم حقّ فاطمة وتكذيبها ومنعها عن إرثها الثابت لها ۳ بمحكم

1.من العجيب أنّ ابن حجر العسقلاني في شرح صحيح البخاري ، نقل عن النواوي : أنّ العلماء اتفقوا على أنّ قول عمر «إن الرجل ليهذي أو ليهجر ، حسبنا كتاب اللّه » إنّما كان عن قوّة فهمه ودقيق نظره ؛ لأ نّه خشي أن يكتب اُمورا يعجز الاُمّة عنها ، فيستحقّوا العقوبة بكونها منصوصة ، فمنعه وأراد أن لا ينسدّ باب الاجتهاد. انتهى ملخّصا ، فتأمّل فيه ؛ فإنّه يرشدك إلى عماهم عن الحقّ ، حتّى جوّزوا الاجتهاد في حضور النبي صلى الله عليه و آله ، وهو مخالف للكتاب والسنة والإجماع ، وجوّزوا بل حكموا بأعطفيّة عمر ممّن «بُعث رحمة للعالمين» على الاُمّة ، وحكموا بأنّ رأي عمر أصوب من رأي من لا ينطق عن الهوى ، ولم يشعروا بأنّ مخالفة النبيّ صلى الله عليه و آله إذا كان بعد مماته سببا للعقوبة تكون في حياته أولى بالسببيّة ، فكأ نّه قال : إنّ عمر رضي بمخالفة النبيّ صلى الله عليه و آله في حال حياته بأن يعاقَب بالنار لئلا يستحقّ غيره العقوبة ، فتأمّل ، (منه) .

2.سورة النجم ، الآية ۳ .

3.إشارة بالوصف إلى بطلان الخبر الذي تمسّك به في منعها بمخالفته للقرآن ، فإنّ كلّ ما يخالفه باطل بالضرورة . لا يقال : لا مخالفة بين الخاصّ والعامّ؛ إذ يجوز العمل بهما بتخصيص العامّ به ؛ لأ نّا نقول أوّلاً : إنّ أحد آيتي الميراث وهو قوله : «للرجال نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون» الآية ، وإن كان عامّا ظاهرا في دخول النبي صلى الله عليه و آله وأولاده قابلاً للتخصيص ، إلاّ أ نّه لا يقبل التخصيص إلاّ بقويّ يقاومه وهو منتف فيما نحن فيه؛ فإنّ المنقول لا ناقل له إلاّ المدّعي أو هو وأعوانه الذين لا علم بعدالتهم لو سلم عدم كونهم متهمين في شهادتهم بسماع الخبر. ومن المعلوم أنّه لو كان العترة الطاهرة أولى بالامتثال بمدلوله . وفُرِضَ جهل باب مدينة العلم وأهل بيت الرسالة الذين هم أدرى بما فيه مع امتناعه من أهل الإيمان . يستلزم نسبة التقصير إلى المبلّغ في إنذار عشيرته الأقربين. والآية الاُخرى وهي قوله : «يوصيكم اللّه في أولادكم» الآية ، نصّ في دخوله صلى الله عليه و آله ، ظاهرة في كون من عداه مرادا ، لأنّ المخاطب مشافهة فيها هو النبيّ صلى الله عليه و آله قطعا ، ومن عداه فإنّما يدخل بمعونة الآية الاُخرى والنصّ ورعاية حقيقة الجمعيّة بملاحظة قاعدة التغليب ، فيكون معناها : «إنّ حكم الميراث في ولدك وولد اُمّتك كذا» ، فحينئذٍ كلّ ما يدلّ على خروجه صلى الله عليه و آله من الحكم مخالف لها مردود لا يمكن صدوره من الحكيم تعالى. وثانيا : إنّ المراد بمخالفته للقرآن مخالفته لما يدلّ على انتقال الميراث من الأنبياء إلى أولادهم وهو قوله : «وورث سليمان داود» إذ لا يخفى أنّ الميراث حقيقة في المال وما في حكمه الذي يبقى من المورّث ، وينقسم بين الورثة ، فيجب حمله عليها لا على العلم والخلافة مجازا. أمّا أوّلاً ، فلعدم القرينة ؛ فإنّ المنقول لا يصلح قرينة لما عرفت ، وترك ذكر من عدا سليمان لا يمنع من إرادة الحقيقة ؛ إذ يجوز أن يكون تخصيصه بالذكر لئلا يتوهّم أ نّه لم يشاركهم في الأموال لاختصاصه بمرتبة الخلافة واستغنائه بفضيلة العلم والحكمة وعلوّ الشأن ، وليعلمَ أنّ الفوز بمرتبة القرب الإلهي لا ينافي التصرّف في الحقوق الدنيويّة التي أمر اللّه بالتصرّف فيها ، وليعلم أنّه ليس من الركون المنهيّ عنه الذي ينافي رتبة النبوّة وينبئ عن دنانة المنزلة. وأمّا ثانيا ، فلأنّ صريح قوله تعالى : «ففهّمناها سليمان» الآية ، يدلّ على أ نّه قد أوتي الحكمة والنبوّة في زمان أبيه لا بعده وراثة عنه. وثالثا : إنّ المراد مخالفته لما يدلّ من القرآن على جواز انتقال الميراث من الأنبياء إلى أولادهم وهو قوله : «فهب لي من لدنك وليّا يرثني» الآية ؛ إذ لو لم يجز لم يطلب ، ولو سلم جواز جهله لم يجز تقريره عليه ، والحملُ على وراثة العلم والخلافة باطل هنا قطعا ؛ إذ لا يجوز لنبيّ اللّه أن يحسد الناس خصوصا بني أعمامه على ما آتاهم اللّه من فضله ، فكيف يجوز أن يقول إنّي خفت من أبناء عمّي أن يتصرّفوا في الخلافة ويفوزوا بالعلم والولاية ، والقول بأ نّه خاف من تصرّفهم في الأمر غصبا ومن إضلالهم الاُمّة عن الهدى باطلٌ ؛ إذ الخوف من هذه الجهة لا يستلزم طلب الولد على هذا الوجه من المبالغة ، بل كان يكفي أن يطلب نصب من يرشد إلى الهدى بعده ويقيم دين اللّه ويحاميه ، مع أ نّه لا ضرورة في الطلب ؛ لأنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده ، وهو لا يعطل عباده ولا يخلي الأرض من حجّة أبدا ، فيجب أن يكون مراده : إنّي أخاف من أبناء عمّي أن يتصرّفوا في مالي فيصرفوه في المعصية ، وأكون لهم في ذلك كالمعاون. وأيضا الوليّ الذي يرث العلم والخلافة مرضيّ فلا ينبغي له أن يقول بعد وصفه بما وصفه : «واجعله ربّ رضيّا» . سلمنا أنّ الحمل عليه جائز ، لكن نقول : لا ريب في عدم جوازه إلاّ بالقرينة المانعة عن الحقيقة؛ لأ نّه مجاز كما عرفت ولا قرينة هنا لما عرفت ، فتأمّل ، (منه) .

الصفحه من 137