الاربعين في إثبات إمامة أمير المؤمنين (ع) - الصفحه 112

كان يؤكّد الأمر له ، حتّى قال : «ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم ما يعصمكم من الضلالة» ، وأراد أن يصرّح باسمه في الكتاب ۱ ، لأ نّه يبقى وقد يُنسى الخطاب ، كما صرّح به هذا الشارح . وروي عن الثاني أ نّه قال : فهمت إرادته فمنعته ، وهو اطّلع على أ نّي فهمت القصد فسكت!
والقول بأ نّه أعلمَه أو أعلَمَ قوما بأعيانهم بذلك سرّا ووصّاه بالصبر خفية ؛ إشفاقا على الدين ممّا تأبى عنه عقول العالمين ، لما مرّ ، ولأ نّا نقول حينئذٍ : إنّه لِمَ أعْلَمَ بتقدّمه وفضله جهارا بحيث اطّلع عليه قاطبة الرعيّة وأعلمه أو أعلمه وأعلم قوما غيره بكون المصلحة في تأخّره ، ولم يشفق على فساد عقائد المؤمنين وانحرافهم عن الثلاثة المنتحلين ؟ فلعلّه عليه السلام علم أنّ الانحراف عنهم والتبرّي منهم ليس من الضلال في الدين ، إن اعترفوا به ، و لايعترفون بالحقّ أبد الآبدين .
فتعيّن انتفاء صدور الإعلام بها عن سيّد الأنام ، والحمد للّه الحكيم العلاّم .
ثمّ إنّ العاقل كيف يتصوّر أن يأمر اللّه بتقديم عليّ ويأمر بذلك نبيّه إلى وقت وفاته ويريد نبيُّه كتابة الوصيّة توكيدا لما قدّمه من الأدلّة الباهرة على إمامته ، ويقدّم أو يتقدّم طائفة عليه في آن وفات النبيّ صلى الله عليه و آله من غير مهلة للمصلحة .
وأيّ مصلحة يمكن أن يقال : إنّها كانت مجهولة للّه ولرسوله وصارت معلومة

1.ممّا يدلّ على أنّ هذا هو المراد ، هو أنّ الثابت بالخبر المتواتر كون التمسّك بالعترة سببا لانتفاء الضلال ، فيجب أن يكون المقصود التنصيص على وجوب متابعتهم والتصريح بلزوم تقديم رتبتهم ومقدّمهم على وجه لا يقبل التبديل والتحريف ، فتأمّل فيه؛ فإنّه ينفعك مع الإنصاف. ثمّ من العجيب أنّ بعضهم تغافل أو غفل عن الرواية المنقولة عن الثاني ، وهي مذكورة في تاريخ بغداد ، فقال : أراد أن يذكر اسم أبي بكر ، لأنّه قد كان يعلم خلافته. أقول : ليت شعري من أين علم أنّه أراد هذا ؟ ! ولعلّه استفاده من عزله عن تبليغ البراءة ، أم من تأخيره عن صلاة الجماعة ، أم من جعل اُسامة أميرا عليه ، أم من فراره بالراية حين ولاّه. وما قيل من «أ نّه صلى الله عليه و آله أسرّ إلى حفصة أنّ أبا بكر وأباك يليان أمر الاُمّة ؛ فهذا دليل على تعيّن المراد» فمردود ، بأنّ الإسرار . كغيره من الأسرار . دليل على أ نّه لم يرد ذلك ، وعلى أنّ المراد بالإخبار الإعلام بأ نّهم يتجاوزون عن أمره وأمر اللّه ظلما وعدوانا . ثمّ إنّ عمر لو علم أنّ مراده ذلك وهو أعرف بمراده من هذا القائل ، لسارع إلى فعله لا إلى منعه ، فتأمّل ، (منه) .

الصفحه من 137