العباد من الاسترشاد .
وليس من الافتخار بكمالاته من حيث هي كمالاته الصادرة عنه ، حتّى يكون إعجابا ممنوعا عنه ، بل هو افتخار بكمالاته من حيث أ نّها نعمة وعطيّة موهبية أو اكتسابيّة ، بعد القطع بكونها ثابتة له بلطف اللّه وإعلامه للفوائد المذكورة .
وكيف يتخيّل أن يكون ذلك من الافتخار المذموم ، وخطبه وكلماته مشحونة بلزوم التجاوز عن طريق المنافرة و وجوب وضع تيجان المفاخرة .
أم كيف يتصوّر أ نّه يأمر بما لا يعمل به من الصواب وقد نزل من السماء فيه . على ما تواتر . أنّ عنده علم الكتاب ، وبذلك يضمحلّ ما استشكله بعض ، مِن أنّ كلماته عليه السلام . في مواقع افتخاره . ممّا يدلّ على التيه والزهو والافتخار والمنّة ، ولا وجه لشيء من ذلك ، فإنّ التيه والزهو والافتخار ممّا نهي عنه في الشريعة البيضاء.
والمنّة إمّا منّة على العباد ، و لاينبغي أن يمنّ عليهم بما لم يأت به لأجلهم ، و إمّا منّة على اللّه وهو سبحانه يقول : «بل اللّه يَمُنّ عليكم أن هداكم للإيمان»۱.
قال ابن أبي الحديد بعد نقل ما نقلناه من الإيراد : «وقد سبقه إلى ذلك قوم من الصحابة ، فإنّه قيل لعمر : ولّ عليّا أمر الجيش ، فقال : هو أتيهُ من ذلك . وقال زيد بن ثابت : ما رأينا أزهى من عليّ وقد حمل معاوية كلامه عليه السلام على المنّة ، فكتب في جواب مفاخراته مثل ما ذكره هذا المورد» ، انتهى ملخّصا .
أقول : إنّما نسب إليه ذلك مَن نسبه إمّا لعناده وبغيه ، وإمّا لقصور فهمه وانتفاء اتّصافه بالقوّة المميّزة ، فلايميّز بين الكبر والاستطالة والافتخار و بين التعفّف و الرفع و التوقّي عن تحمّل الأوزار والزهد في الزهرات الفانية المختصّة بهذه الدار والتحدّث بنعمة اللّه الواجبة على عباده بالليل والنهار ، فتأمّل ، تعرف ذلك كالشمس في رابعة النهار .
1.سورة الحجرات ، الآية ۱۷ .