ثمّ قال : ونحن نريد أن ننبّه بإيراد بعض ما ورد فيه من الأخبار على أنّ عظم منزلته عند الرسول صلى الله عليه و آله بلغ مبلغا قيل له : لو رقى إلى السماء وعرج في الهواء وفخر على الملائكة والأنبياء تعظّما وتبحّحا ، لم يكن به ملوما ، بل كان به جديرا .
بل نقول : إنّه لو فخر بنفسه وبالغ في تعديد مناقبه وفضائله بفصاحته التي آتاه اللّه واختصّه بها ، وساعده على ذلك فصحاء العرب وغيرهم كافّة ، لم يبلغوا إلى معشار ما نطق به الرسول الصادق الأمين ، وهو مع ذلك لم يسلك قطّ مسلك التعظّم والتكبّر في شيء من أقواله وأفعاله .
وكان ألطفَ البشر خُلقا ، وأكرمهم طبعا ، وأشدّهم تواضعا ، وأكثرهم احتمالاً ، وأحسنهم بشرا ، وأطلقهم وجها ؛ حتّى نسبه مَن نسبه إلى الدعابة و كثرة المزاح ، وهما خُلقان منافيان للتكبّر والاستطالة .
وإنّما يَذكر أحيانا ما يذكر من هذا تنفُّسَ مهموم وشكوى مكروب ، ولا يقصد به إذا ذكره إلاّ شكر النعمة وتنبيه الغافل على ما خصّه اللّه به من الفضيلة ؛ فإنّ ذلك من باب الأمر بالمعروف وعلى اعتقاد الحقّ والصواب في أمره ، والنهي عن المنكر الذي هو تقديم غيره عليه مع تقدّم فضله ، وقد نهى اللّه سبحانه عن ذلك بقوله : «أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يُتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون»۱.
قال : ولست أعني بذلك الأخبار العامّة الشايعة التي يحتجّ بها الإماميّة على إمامته ، كخبر الغدير والمنزلة و قصّة البراءة و خبر المناجاة وقصّة خيبر وخبر الدار ونحو ذلك ، بل نعني بذلك الأخبار الخاصّة التي رواها فيه أئمّة الحديث الذين لا يتّهمون ، وجلّهم يقولون بتفضيل غيره عليه ، فروايتهم فضائله توجب سكون النفس ، ما لا يوجبه رواية غيرهم ۲ .
1.سورة يونس ، الآية ۳۵ .
2.اختصاص هذه الأخبار بهم غير مسلم ، لأنّ أصحابنا أيضا قد تعرّضوا لروايتها ، اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّه أراد أنّ الإماميّة لا يستدلّون بها على المطلوب والجمهور يستدلّون بها على فضيلته ، فهي خاصّة بهم ، وفيه بعدُ تأمّل ، فتأمّل (منه) .