التحفة العلويّة - الصفحه 209

«فجَعَلَه» :
أي جعل مسمّى ذلك الاسم بنوع استخدام ، أو جعل نفس ذلك الاسم ـ إذ الاسم عين المسمّى ـ مسمّى هذا الاسم ، وذلك الاسم هو اللغز والمعمّى ؛ ۱ فإنّه أشدّ من الصخرة الصمّاء ، وأظلم من الليلة الحالكة ۲ الظلماء ، إلاّ عند من يرى بالنور ، ويسمع بالنور ؛ فإنّ ذلك عنده ظاهر غير مستور ، ويفهمه من غير نكر ونفور ، وأمّا أصحاب القبور الذين هم في تقصير وقصور ، فلا يزيدهم بذلك إلاّ البعد والغرور .
«على أربعة أجزاء معاً» :
أعني : ا .ب .ج .د ؛ ۳ إذ تلك الأجزاء الأربعة ا .ب للموجودات ، وجد للموجودات فوّارة النور و شاهق الطور ، وهي الكتاب المسطور ، والبحر المسجور ، والرقّ المنشور ؛ بل النشر والناشر المنشور ، ولعلّك ما فهمت وما استبصرت ، فأقول على الإجمال في المقال ، كي لا يورث الكلّ والملال ، ولا يقوم قيل ولا قال : إنّ تلك الأجزاء الأربعة في الكتب الأربعة ؛ في الكتاب التدوين فما إليه أشرنا ، وأمّا في الكتب الثلاثة الاُخرى وهي التكويني والآفاقي والأنفسي فنقول : إنّ الألف يعني حرف في

1.اللغز والتعمية : الإخفاء والتلبيس في الكلام أو غيره . راجع : لسان العرب ، ج ۵ ، ص ۴۰۵ ؛ وج ۱۵ ، ص ۱۰۱ .

2.الحالكة ـ من الحلك ـ يقال لشدّة السواد . راجع : لسان العرب ، ج ۱۰ ، ص ۴۱۵ .

3.واعلم أنه قد ذهب الأعلام هاهنا إلى أقوال غير هذا التفسير : منها ما قاله صدر المتألّهين : «فاعلم أنّ تلك الأجزاء ليست أجزاء خارجيّة ولا مقداريّة ولا حدّية كالجنس والفصل و . . .بل إنّما هي معان واعتبارات ومفهومات أسماء وصفات» . ثمّ أشار بوجوه محتملة في تفسير العبارة ، ملخّصها هكذا : «فيمكن أن يقال بوجه : إنّ المراد منها صفة الحياة والعلم والإرادة والقدرة ؛ فإنّ أوّل الصوادر سواء اعتبر كونه عقلاً أو وجوداً منبسطاً يصدق عليه أنّه حيّ عليم مريد قادر . . . ؛ ووجه آخر في كتب الحكمة : إنّ الصادر الأوّل له أربعة حيثيّات : الوجوب والوجود والماهيّة الإمكانيّة والتشخّص ، فمن . . . ؛ ووجه آخر وهو أقرب : الأركان الأربعة المسخّرة للكلمة الإلهيّة هي العقل والنفس والطبع والجرم . ما من جوهر وجزء من العالم إلاّ وله هذه الأركان الأربعة ، وكلّ منها مشتمل على معاني الأسماء الثلاثة من العلم والإرادة والقدرة ، ولكن على وجه التفاوت في الظهور والإخفاء والقوّة والضعف ، و . . .» . و قال المجلسي رحمه الله : «كلّ أسماء اللّه تعالى ترجع إلى أربعة ؛ لأنّها إمّا أن تدلّ على الذات أو الصفات الثبوتيّة الكماليّة أو السلبيّة التنزيهيّة أو صفات الأفعال ؛ فجرى ذلك الاسم الجامع إلى أربعة أسماء جامعة ولمّا كانت تلك الأسماء الأربعة مطويّة في الاسم الجامع على الإجمال لم يكن بينها تقدّم وتأخّر ، ولذا قال : ليس منها واحد قبل الآخر» .

الصفحه من 230