من آثار العقيدة السلفيّة و الالتزام بالحشو - الصفحه 7

فلايكون ما يترتّب على هذه العقيدة من فعلٍ وعملٍ إلّا من غير المعتقد .
بل هو من فعل الذي علّمه وألزمه وعبّده، فيكون مجبوراً مسيّراً مضطرّاً، لا اختيار له ولاإرادة.
وكانت عقيدة «الجَبْر» من أخطر آثار العقيدة الحَشْوِيَّة السلفيّة، حيث صحّحوا بها كلّ ما جرى في التاريخ الإسلاميّ على الإسلام والمسلمين، من مآسٍ وويلاتٍ، جرّاء فعل الحكّام المتغلّبين والاُمراء الفاسدين والخلفاء الجهلة المجرمين، والرؤساء العملاء، صحّحوا كلّ ذلك بالالتزام بالجبر، وأنّه من فعل اللَّه تعالى عن ذلك عُلُوَّاً كبيراً.
والأخطر من ذلك أنّهم حملوا كلّ ذلك على الإسلام كعقيدةٍ، لأنّهم التزموا بالحَشْوِيَّة والسلفيّة بما لها من قواعد والتزاماتٍ .
فحمّلوا تلك الجرائم والمفاسد على الإسلام العظيم، الذي إنّما جاء لتطهير الأرض من تبعات الجاهليّة، وقطع أيدي الطواغيت والجبابرة، وبمثل تلك الالتزامات، أبدلوا كلّ رجاءٍ في قلوب البشر - بعدل الإسلام - إلى يأسٍ!
كما شوّهوا سمعة الإسلام كدينٍ إلهيٍّ جاء لنشر العدل والأمن والحقّ والسعادة، وقلبوه إلى دين الجبر والجبروت والفساد والطغيان والديكتاتوريّة والقسوة والظلم.
وسوّدوا وجه التاريخ بجرائم بشعةٍ وأعمالٍ شنيعةٍ تُدمي وجدان الإنسانيّة.
ولم تقتصر تعدّياتهم على ذلك .
بل مدّوا أيديهم إلى التراث الإسلامي ، بالتشويه والتخريب والتحريق والتسفيه .
فمحاولات منع الحديث تدويناً وكتابة ، ونقلاً وتحديثاً ، إلى إحراق العشرات بل المئات من كتب الحديث الشريف ، ذلك الركن الأعظم والعماد الأقوم للفكر الإسلامي عقيدة وشريعة ، فسبّبوا بذلك فقدان الألوف من نصوص الأحاديث التي لو وجدت في الأيدي لم تكن هناك حاجة إلى اللجوء إلى الآراء والأهواء ، والفتاوى المزيّفة المخالفة للعقل والطبع ، ولا الارتماء في البدع بإدخال ما ليس من الدين في الدين . ولا تفسير القرآن بالرأي والهوى ، مما ضيّع على المسلمين بأجيالهم خير ما في تلك النصوص من هدىً ونور .
إنّ الوقوف أمام هذه التجاوزات والحدّ من آثارها المدمّرة لهو واجب عينيّ على العلماء الذين وصلوا إلى خطورة هذا المذهب المنحرف ، بالردّ على ترّهاتهم . وصدّ هجماتهم ، وفضح تسويلاتهم ، وتعريف أهدافهم للمسلمين كي يجتنبوها .
وقد كان لنا سعيٌّ في هذه المجالات ، بتقديم مقالاتٍ : تتضمّن الأولى منها التعريف بهذه الفرقة المشؤومة ، وبيان أصولها وأسباب نشأتها وتطوراتها .
وتكلّفت الثانية : ببيان آرائها وملتزماتها الفكريّة والعقيدية ، وبيان مخالفة كلّ منها للحقّ اليقين من الدين الثابت عند المسلمين بأدلّة القرآن والسنّة والإجماع والعقل الرصين .
ونقدم في هذا العدد ، واحداً من أخطر ملتزماتها وهي :
«الأميريّة» التي أودت بحياة العشرات من أعيان العلماء المتّقين منذ بداية التاريخ ، وحتّى يومنا الحاضر .
وفي مقال رابع : سوف نقدّم موقف الحشوية من مصادر الفكر الإسلامي ، وأهمها القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، ودخائر التراث الإسلامي ، حيثُ لم يرعوا لهذه المصادر حرمة ولا وزناً .
بل واجهوها بالتشكيك والتزييف والتحريف والإبادة .
إنّ الأصول التي التزمتها الحشوية السلفية هي التي أدّت بها إلى التردي في هوة الضلال ، والابتعاد عن المسلمين في العقيدة والشريعة والفكر والمصادر والعمل والمظهر أو حتّى في الباطن والسيرة والأخلاق .
فهم يُعادون من ليس على طريقتهم .
ويُسيئون الظنّ بغيرهم .
ويُبطلون أعمال المسلمين في صلاتهم وصومهم .
ويخالفون الجميع في ملبسهم ومأكلهم .
وينبزون كلّ المسلمين بالشرك والكفر ، لأنّ المسلمين جميعاً يرتضون آراء السلفية وسيرتهم .
ومن أخطر ملتزماتهم هو الاغترار بما هم عليه من آراء وأفكار وسيرة ، وعدم تأمّلهم في ما عندهم من رؤى وأفكار ، وعدم السماح لأنفسهم في البحث عن كونها خطأً أو صواباً وانغلاقهم على أنفسهم وتحسينهم لملتزماتهم .
فهم يضعون أصابعهم في آذانهم حذراً من سماع آراء الآخرين ، فلا يسمعون ولا يعون ولا يهتدون سبيلاً .
لكن هذا لا يمنع من تقديم النصح لهم والبحث حول ما هم عليه لعلّ اللَّه يوفّق أحدهم لقراءته ، فيهتدي ، ويهدي من قومه من كتب اللَّه له الهدى .
وهذا ما نسعى إلى تحقيقه والوصول إليه في هذه المقالات ، واللَّه من وراء القصد هو نعم المولى ونعم النصير .
التحرير

الصفحه من 7