يعيش في ظلّ فلان، أي في كنفه وحفظه، أي ليس له معين ينضمّ إليه ويحفظه، وهو يحفظ الأشياء مع حافظيها الظاهرة، أو بسببهم، كخلقه تعالى جبلّة الأبوين على العطوفة للولد ونحو ذلك.
وفيه إشارة إلى قوله تعالى في سورة النحل: «أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَىْ ءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدا للّهِِ وَهُمْ دَاخِرُونَ» ، ۱ أفرد اليمين لأنّ المحافظ للشيء بقصد الخير أقلّ من محافظهِ لا بقصد الخير. وقوله:
(عَارِفٌ بِالْمَجْهُولِ، مَعْرُوفٌ عِنْدَ كُلِّ جَاهِلٍ) ، ناظرٌ إلى معنى الصمد.
ومعنى «عارف» عالم مجرّدا عن تجدّد العلم؛ ۲ أي عالم بما يجهله غيره من ضمائر
1.النحل (۱۶) : ۴۸ .
في حاشية «أ» : «أي أو لم ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلال متفيّئة عن أيمانها وشمائلها ، أي عن جانبي كلّ واحد منها ؛ استعارة من يمين الإنسان وشماله . ولعلّ توحيد اليمين وجمع الشمائل باعتبار اللفظ والمعنى ، كتوحيد الضمير في ضلاله ، وجمعه في قوله : «سُجَّدا للّه ِِ وَهُمْ دَاخِرُونَ» وهما حالان من الضمير في ظلاله . والمراد من السجود الاستسلام ، سواء كان بالطبع أو الاختيار ، و «سجّدا» حال من الظلال. و«هم داخرون» حال من الضمير ، والمعنى : يرجع الظلال بارتفاع الشمس وانحدارها أو باختلاف مشارقها ومغاربها بتقدير اللّه تعالى من جانب إلى جانب منقادة لما قدّر لها من التفيؤ أو واقعة على الأرض ملتصقة لها على هيئة الساجد . والأجرام في أنفسها أيضا داخرة ، أي صاغرة منقادة لأفعال اللّه تعالى فيها . وجمع «داخرون» بالواو؛ لأنّ من جملتها من يعقل ، أو لأنّ الدخور من أوصاف العقلاء . وقيل : المراد باليمين والشمائل يمين الفلك وهو جانبه الشرقي ؛ لأنّ الكواكب تظهر منه آخذة في الارتفاع والسطوع ، وشماله هو الجانب الغربي المقابل له ؛ فإنّ الظلال في أوّل النهار يبتدي من المشرق واقعة على الربع الغربي من الأرض ، وعند الزوال يبتدئ من المغرب واقعة على الربع الشرفي من الأرض . (بيضاوي)» . أنوار التنزيل ، ج ۲ ، ص ۴۰۵ .
2.في حاشية «أ» : «قوله قدّس سرّه : مجرّدا عن تجدد العلم» لعلّه إشارة إلى بطلان ما زعمه التفتازاني في المطوّل و أضرابه في معني المعرفة حيث قال في أوائل الفنّ الأوّل : المعرفة يقال لإدراك الجزئي أو البسيط والعلم للكلّ أو المركب ، ولذا يقال : عرفت اللّه ، دون : علمته ، وأيضا المعرفة يقال لإدراك مسبوق بالعدم أو للأخير من الإدراكين ، شيء واحد إذا تخلل بينهما عدم بأن أدرك أولاً ثمّ ذهل عنه ثم أدرك ثانيا» . والعلم الإدراك المجرّد من هذين الاعتبارين ، ولذا يقال : اللّه تعالى عالم ، ولايقال : عارف ؛ انتهى . وذلك لأنّ كلام الإمام عليه السلام أعدل شاهد في هذا المقام وعديله في الشهادة ما في الخطبة الاُولى من نهج البلاغة في قوله عليه السلام : أحال الأشياء لأوقاتها ، إلى قوله عليه السلام : عارفا بقرائنها وأحنائها ؛ انتهى . والمعنى عارفا بما يقترن بها على وجه التركيب أو المجاورة أو العروض والأحناء بحاء مهملة والنون ، جمع : حنو بالكسر بمعنى الجانب ؛ فلا تغفل (مهدي)» .