167
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

(فِي ذلِكَ) أي في انقطاع الهواء عنهما (الِاشْتِبَاهُ) أي اشتباه الحقّ بالباطل على جمع من الناظرين واختلافهم في أنّه هل يجوز أن تتحقّق الصورة الثالثة أو الاُولى على خرْق العادة في رؤيتنا شيئا، أم لا؟
فمَن جوّز الثالثة، جوّز أن يرى اللّه أحد من عباده، ومَن جوّز الاُولى، جوّز أن يرى اللّه ذاته، ومَن لم يجوّز شيئا من الصورتين، لم يجوّز شيئا من الرؤيتين، وذلك مع اتّفاقهم على جواز الصورة الثانية، لا على العادة المستمرّة في رؤيتنا شيئا، فإنّ اللّه تعالى يرى الأجسام.
(لِأَنَّ) . دليلٌ على أنّه محلّ الاشتباه ببيان ما به اشتبه الحقّ على منكريه.
(الرَّائِيَ مَتى سَاوَى الْمَرْئِيَّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ بَيْنَهُمَا فِي الرُّؤْيَةِ، وَجَبَ الِاشْتِبَاهُ) . يعني أنّ الناس إذا علموا أنّ العادة في رؤيتنا شيئا أن يكون الرائي كالمرئيّ في الاحتياج في الرؤية إلى اتّصال الهواء به، وعلموا جواز خلاف العادة في الرائي كما في الصورة المتّفق عليها، يحكم وهمهم بجوازه في المرئيّ أيضا بخرق العادة، وذلك بقياس الصورة الثالثة على الثانية، فمن تبع حكم وهمه هذا، اشتبه عليه الحقّ، وتوهّم جواز رؤية كلّ موجود بالعين. كما هو الواقع عند الأشاعرة في رؤية اللّه تعالى، ۱
أو باليد والرجل ونحو ذلك كما هو احتمالٌ محضٌ عندهم، وذلك بخرق العادة.
ومعنى «الموجب» ـ بكسر الجيم ـ الرابطُ، والسبب الموجب هو الهواء، والمساواة فيه الاشتراك في الاحتياج إليه في الرؤية. والظرف متعلّق ب«الموجب».
ويحتمل أن يكون الموجَب بفتح الجيم، أي ما يحكم العقل بوجوبه عادةً في الرؤية، والظرف حينئذٍ مستقرّ حال عن السبب.
وتوضيح تحرير محلّ النزاع: أنّ النفس الناطقة الإنسانيّة لها أنواع من الانكشاف، بعضها بواسطة إحدى الحواسّ الخمس الظاهرة بلا تصرّف، وبعضها بواسطة الحواسّ

1.اُنظر تفسير الرازي ، ج ۳ ، ص ۵۰ ، وص ۵۸ ؛ و ج ۱۳ ، ص ۱۲۶ ـ ۱۳۱ ؛ شرح المواقف ، ج ۸ ، ص ۱۱۵ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
166

الاكتسابيّة بعد الرؤية.
الرابع: (وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ) أي عن الدليل على أنّه لا يمكن أن يرى اللّه تعالى أحد، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
(وَمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ۱) أي وعن تحرير محلّ النزاع بين القائلين بإمكانه، والقائلين باستحالته عقلاً.
(فَكَتَبَ عليه السلام : لَا يجُوزُ۲الرُّؤْيَةُ) . هذا إلى قوله: «لم يصحّ الرؤية» تمهيد لتحرير محلّ النزاع؛ أي لا يمكن بحسب العادة رؤية أحدنا شيئا في الدنيا.
(مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ هَوَاءٌ) أي فضاء خال؛ شبّه به ما ليس فيه ما يمنع نفوذ البصر.
(يَنْفُذُهُ الْبَصَرُ) أي شعاع البصر، فظاهره يبطل مذهب الانطباع. ۳ ويحتمل أن يُراد بنفوذ البصر في الهواء توسّله به إلى الرؤية ولو بالانطباع.
(فَإِذَا انْقَطَعَ الْهَوَاءُ عَنِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ) . أي عن المجموع من حيث المجموع. وله في بادئ الرأي ثلاث صور: الاُولى: أن ينقطع عن كلّ منهما؛ الثانية: أن ينقطع عن الرائي فقط؛ الثالثة: أن ينقطع عن المرئيّ فقط.
(لَمْ يصِحَّ۴الرُّؤْيَةُ) أي لم يصحّ عادةً في رؤية أحدنا شيئا، سواء كانت ممكنة بخرق العادة، أم لا.
(وَكَانَ) . عطفٌ على قوله: «لم يصحّ». وهذا إلى قوله: «وجب الاشتباه» تحرير لمحلّ النزاع.

1.في الكافي المطبوع : «فيه الناس» .

2.في الكافي المطبوع : «تجوز» .

3.هو مذهب الطبيعيّين القائلين بأنّ الإبصار انطباع شبع المرئي في جزء من الرطوبة الجليوية التي يشبه البَرَد والجمد ؛ فإنّها مثل مرآة ، فإذا قابلها متلوّن مضيء انطبع مثل صورته فيها كما ينطبع صورة الإنسان في المرآة . الحكمة المتعالية ، ج ۹ ، ص ۱۷۸ .

4.في الكافي المطبوع : «تصحّ» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 79632
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي