(فِي ذلِكَ) أي في انقطاع الهواء عنهما (الِاشْتِبَاهُ) أي اشتباه الحقّ بالباطل على جمع من الناظرين واختلافهم في أنّه هل يجوز أن تتحقّق الصورة الثالثة أو الاُولى على خرْق العادة في رؤيتنا شيئا، أم لا؟
فمَن جوّز الثالثة، جوّز أن يرى اللّه أحد من عباده، ومَن جوّز الاُولى، جوّز أن يرى اللّه ذاته، ومَن لم يجوّز شيئا من الصورتين، لم يجوّز شيئا من الرؤيتين، وذلك مع اتّفاقهم على جواز الصورة الثانية، لا على العادة المستمرّة في رؤيتنا شيئا، فإنّ اللّه تعالى يرى الأجسام.
(لِأَنَّ) . دليلٌ على أنّه محلّ الاشتباه ببيان ما به اشتبه الحقّ على منكريه.
(الرَّائِيَ مَتى سَاوَى الْمَرْئِيَّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ بَيْنَهُمَا فِي الرُّؤْيَةِ، وَجَبَ الِاشْتِبَاهُ) . يعني أنّ الناس إذا علموا أنّ العادة في رؤيتنا شيئا أن يكون الرائي كالمرئيّ في الاحتياج في الرؤية إلى اتّصال الهواء به، وعلموا جواز خلاف العادة في الرائي كما في الصورة المتّفق عليها، يحكم وهمهم بجوازه في المرئيّ أيضا بخرق العادة، وذلك بقياس الصورة الثالثة على الثانية، فمن تبع حكم وهمه هذا، اشتبه عليه الحقّ، وتوهّم جواز رؤية كلّ موجود بالعين. كما هو الواقع عند الأشاعرة في رؤية اللّه تعالى، ۱
أو باليد والرجل ونحو ذلك كما هو احتمالٌ محضٌ عندهم، وذلك بخرق العادة.
ومعنى «الموجب» ـ بكسر الجيم ـ الرابطُ، والسبب الموجب هو الهواء، والمساواة فيه الاشتراك في الاحتياج إليه في الرؤية. والظرف متعلّق ب«الموجب».
ويحتمل أن يكون الموجَب بفتح الجيم، أي ما يحكم العقل بوجوبه عادةً في الرؤية، والظرف حينئذٍ مستقرّ حال عن السبب.
وتوضيح تحرير محلّ النزاع: أنّ النفس الناطقة الإنسانيّة لها أنواع من الانكشاف، بعضها بواسطة إحدى الحواسّ الخمس الظاهرة بلا تصرّف، وبعضها بواسطة الحواسّ