يكون اللّه تعالى مسموعا وملموسا ومذوقا ومشموما على سبيل خَرْق العادة، أم لا؟ فإن قال: نعم، فقد كابر مقتضى عقله؛ لوضوح امتناعه. وإن قال: لا، نقول له: بأيّ دليل عرفت أنّه لا يجوز ولو بخرق العادة؟ ولابدّ له أن يقول: الدليل أنّه يجب في المسموع مثلاً أن يكون ذا وضع، وعَرَضا هو الصوت، فنقول له: هذا في عادتنا في السمع لِمَ لا يجوز أن يسمع غير ذي الوضع، أو غير العَرَض بخرق العادة؟ فإن قال: نعلم بالعقل أنّه لا يجوز ذلك ولو بخرق العادة، قلنا: في الرؤية مثله حرفا بحرف على مذهب من يقول: إنّ المرئيّ هو اللون والضوْء دون الجسم، ۱ ونكتفي بذكر الوضع من كلامه على مذهب غيره، ونبدّل العرضَ بالجسم.
(لِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهَا بِالْمُسَبِّبَاتِ۲) . استدلالٌ على أنّ التشبيه دليل [كون ]المراد بالأسباب البراهين التي هي أسباب العلم والحكم بالنتائج، واتّصالها بالتاء المثنّاة المشدّدة المكسورة كما في النسخ. ويمكن أن يكون بسكون الخاتمة، والباء في «بالمسبّبات» بصيغة اسم فاعل باب التفعيل للإلصاق على الأوّل، وللآلة على الثاني، وهي عبارة عن مناطات دلالة البراهين على النتائج يعني أنّ البراهين العقليّة ـ التي هي أسباب العلوم بالنتائج ـ لابدّ من أن لاتفارق مناط سببيّتها للعلوم بالنتائج في كلّ موضع تحقّقت فيه، وهذا لضرورة وجوب اطّرادها باعتبار ما هو مناط الدلالة؛ مثلاً إذا سلّمتم أنّ زيدا حادث، وأنّ الدليل العقلي على حدوثه أنّه متغيّر، لزمكم أن تسلّموا أنّ عمرا حادث بهذا الدليل؛ إذ خصوصيّة زيد وعمرو لغو ليست داخلة في مناط الدلالة. وهذا نوع من إيناس الخصم بإصغاء الدليل.
فظهر أنّ القائلين بجواز الرؤية لم يذهب وهمهم إليه إلّا لروايات ۳ موضوعة وضع أكثرها المجسّمة، ولألفاظ من القرآن لم يفهموا معناها، فحملوا أنفسهم على المكابرة