169
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

يكون اللّه تعالى مسموعا وملموسا ومذوقا ومشموما على سبيل خَرْق العادة، أم لا؟ فإن قال: نعم، فقد كابر مقتضى عقله؛ لوضوح امتناعه. وإن قال: لا، نقول له: بأيّ دليل عرفت أنّه لا يجوز ولو بخرق العادة؟ ولابدّ له أن يقول: الدليل أنّه يجب في المسموع مثلاً أن يكون ذا وضع، وعَرَضا هو الصوت، فنقول له: هذا في عادتنا في السمع لِمَ لا يجوز أن يسمع غير ذي الوضع، أو غير العَرَض بخرق العادة؟ فإن قال: نعلم بالعقل أنّه لا يجوز ذلك ولو بخرق العادة، قلنا: في الرؤية مثله حرفا بحرف على مذهب من يقول: إنّ المرئيّ هو اللون والضوْء دون الجسم، ۱ ونكتفي بذكر الوضع من كلامه على مذهب غيره، ونبدّل العرضَ بالجسم.
(لِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهَا بِالْمُسَبِّبَاتِ۲) . استدلالٌ على أنّ التشبيه دليل [كون ]المراد بالأسباب البراهين التي هي أسباب العلم والحكم بالنتائج، واتّصالها بالتاء المثنّاة المشدّدة المكسورة كما في النسخ. ويمكن أن يكون بسكون الخاتمة، والباء في «بالمسبّبات» بصيغة اسم فاعل باب التفعيل للإلصاق على الأوّل، وللآلة على الثاني، وهي عبارة عن مناطات دلالة البراهين على النتائج يعني أنّ البراهين العقليّة ـ التي هي أسباب العلوم بالنتائج ـ لابدّ من أن لاتفارق مناط سببيّتها للعلوم بالنتائج في كلّ موضع تحقّقت فيه، وهذا لضرورة وجوب اطّرادها باعتبار ما هو مناط الدلالة؛ مثلاً إذا سلّمتم أنّ زيدا حادث، وأنّ الدليل العقلي على حدوثه أنّه متغيّر، لزمكم أن تسلّموا أنّ عمرا حادث بهذا الدليل؛ إذ خصوصيّة زيد وعمرو لغو ليست داخلة في مناط الدلالة. وهذا نوع من إيناس الخصم بإصغاء الدليل.
فظهر أنّ القائلين بجواز الرؤية لم يذهب وهمهم إليه إلّا لروايات ۳ موضوعة وضع أكثرها المجسّمة، ولألفاظ من القرآن لم يفهموا معناها، فحملوا أنفسهم على المكابرة

1.اُنظر شرح المواقف ، ج ۸ ، ص ۱۲۴ ؛ كشف المراد (تحقيق الآملي) ص ۴۱۳ ، وفي طبعة الزنجاني ص ۳۲۴ .

2.في الكافي المطبوع : «بالمسبَّبات» بفتح الباء المشدّدة .

3.في «ج» : «الروايات» .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
168

الخمس الظاهرة مع تصرّف ينسبه الفلاسفة إلى حواسَّ خمسٍ باطنةٍ، ۱ وبعضها بلا واسطتهما، كانكشاف الإنسان عند نفسه.
وهذه الأنواع كما أنّها ممتاز بعضُها عن بعض باعتبار امتياز الآلة وعدم الآلة، وباعتبار امتياز بعض الآلات عن بعض يمتاز أيضا باعتبار نفس ذلك الانكشاف؛ مثلاً الانكشاف الحاصل لها لا بآلة ممتازٌ عمّا لها فيه آلةٌ، والانكشاف الحاصل لها بآلة البصر مثلاً ممتاز عن الانكشاف الحاصل لها بآلة اللمس.
والمراد بالرؤية هنا الانكشاف المخصوص بدون اعتبار الآلة المخصوصة، وإن كان لم يحصل لنا في الدنيا إلّا بها.
فمذهب الأشاعرة أنّ هذا النوع من الانكشاف يجوز تعلّقه بكلّ موجود، فيجوز رؤية نحو الحرارة والأصوات والروائح والطعوم، ويصحّ أن يَرى أعمى صين بقّةَ أندلس، ويرى صوت طيرانها وريحها وطعمها ومزاجها، فقالوا: يجوز لنا أن نرى اللّه ، ونرى علمه وقدرته وسائر صفاته، كلّ ذلك بخرق العادة. ۲(وَكَانَ ذلِكَ التَّشْبِيهَ) . هذا إلى آخره بيان للدليل العقلي على امتناع أن يرى اللّه أحد، وهو معطوف على قوله: «كان في ذلك الاشتباه».
وقوله: «ذلك» بالمعجمة على لفظ اسم الإشارة، إشارةٌ إلى الدليل العقلي، وهو الذي سأل السائل عنه أوّلاً، وهو اسم «كان» وخبرها «التشبيه». وإنّما أخّر عليه السلام بيان الدليل لأنّ الأولى في ترتيب البحث ۳ تقديم تحرير محلّ النزاع على بيان الدليل على الحقّ؛ يعني وكان الدليل تشبيه دليل امتناع الرؤية عقلاً بدليل امتناع السمع واللمس والذوق والشمّ عقلاً.
بيان ذلك: أنّا نقول للقائل بجواز الرؤية على سبيل خرق العادة: هل تجوّز أنت أن

1.حكاه العلّامة في كشف المراد (تحقيق الآملي) ، ص ۲۹۵ ، عن الأوائل .

2.حكاه عن الأشاعرة في المواقف ، ج ۳ ، ص ۱۹۹ ؛ شرح المواقف ، ج ۸ ، ص ۱۳۸ .

3.في «ج» : «المبحث» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 79585
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي