265
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

(فَقَالَ) . أجاب عليه السلام ، فدفع توهّمه الأوّل بقوله:
(لِأَنَّهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِ مَا يُدْرَكُ بِالْأَسْمَاعِ) ، يعني ليس السميع من يسمع، بل من لو وقع مسموع لَسمع. ودفع توهّمه الثاني بقوله:
(وَلَمْ نَصِفْهُ بِالسَّمْعِ الْمَعْقُولِ) أي المعروف (فِي الرَّأْسِ. وَكَذلِكَ سَمَّيْنَاهُ بَصِيرا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِ مَا يُدْرَكُ بِالْأَبْصَارِ مِنْ لَوْنٍ أَوْ شَخْصٍ) أي جسم (أَوْ غَيْرِ ذلِكَ) ، من نحو صِغَر وكِبَر، وقُرب وبُعد.
(وَلَمْ نَصِفْهُ بِبَصَرِ لَحْظَةِ الْعَيْنِ. وَكَذلِكَ سَمَّيْنَاهُ لَطِيفا؛ لِعِلْمِهِ بِالشَّيْءِ اللَّطِيفِ مِثْلِ الْبَعُوضَةِ) ؛ واحدة البعوض، وهي البقّ.
(وَأَخْفى مِنْ ذلِكَ، وَمَوْضِعِ النُّشُوءِ) ؛ بالنون والمعجمة المضمومتين وسكون الواو والهمز، مصدر باب منع وحسن؛ أي موضع الحدوث، وهو آلة التوالد من الذَّكر والاُنثى ، ويمكن أن يكون بكسر النون وسكون المعجمة والواو بمعنى شمّ الريح، وموضعه الشامّة.
(مِنْهَا) أي من البعوضة وأخفى.
(وَالْعَقْلِ) بقدر ما تجلب به منافعها، وتدفع به مضارّها.
(وَالشَّهْوَةِ؛ لِلسِّفَادِ۱
)
؛ بكسر المهملة والفاء والألف والمهملة، مصدر باب ضرب وعلم: نزو الذكر على الاُنثى. ۲(وَالْحَدَبِ) ؛ بفتح المهملتين والموحّدة، مصدر باب علم: التعطّف.
(عَلى نَسْلِهَا، وَإِقَامِ) ؛ بكسر الهمزة، مصدر قولك: أقام بالمكان إقامةً وإقاما: إذا لزم.
(بَعْضِهَا عَلى بَعْضٍ) أي على ولده لحفظه.
(وَنَقْلِهَا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ إِلى أَوْلَادِهَا فِي الْجِبَالِ وَالْمَفَاوِزِ) ؛ جمع «مفازة» وهي البّريّة؛ سمّيت بذلك لأنّها مَهلكةُ مَن فاز أي هلك، أو تفاؤلاً بالسلامة. والفوز من فاز،

1.في الكافي المطبوع : «السَّفاد» بفتح السين .

2.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۴۸۹ (سفد) .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
264

(وَكَذلِكَ قَوْلُكَ: «عَالِمٌ» إِنَّمَا نَفَيْتَ بِالْكَلِمَةِ الْجَهْلَ ) أي إنّما المقصود بالكلمة نفي الجهل.
(وَجَعَلْتَ الْجَهْلَ سِوَاهُ) .
قد يتوهّم ۱ من أمثال هاتين العبارتين أنّ المقصود أنّ القدرة والعلم ونحوهما من صفات ذاته تعالى يرجع إلى معان سلبيّة.
وهذا خلاف البديهة، بل مقصوده عليه السلام أنّه ليس إثبات القدرة أو العلم له تعالى إثباتا لآلة أو قلب، ولا إثباتا لأمرٍ موجود في نفسه قائم به، كما يشير إليه بقوله بعد ذلك: «لطيف بلا كيف»، بل إثبات محض ما يقابل العجز أو الجهل؛ أي أمر لولا ثبوته لكان العجز أو الجهل ثابتا؛ إذ لا واسطة بين القدرة والعجز، ولا بين العلم والجهل.
ويمكن أن يكون المراد الفرق بين علم اللّه وعلم العباد مع اشتراك العلم معنى بينهما، بأنّ إثبات العلم للعباد لا ينفي عنهم الجهل بالكلّيّة، بخلاف إثبات العلم للّه تعالى؛ فإنّ المتقابلين أي العلم والجهل يجتمعان في العباد من جهتين، بخلاف اللّه ؛ وكذا الكلام في القدرة.
(وَإِذَا أَفْنَى اللّهُ الْأَشْيَاءَ ) بعد ذلك. وهو الذي اُشير إليه في نهج البلاغة في خطبة أوّلها: «ما وحّده من كيّفه» من قول أمير المؤمنين عليه السلام «و أنّه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه، كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها» الخطبة. ۲(أَفْنَى الصُّورَةَ وَالْهِجَاءَ وَالتَّقْطِيعَ) أي التي حدثت في أذهان العباد من صورة الأسماء والصفات وهجائها وتقطيع حروفها على ما مرّ تفسيره آنفا.
(وَلَا يَزَالُ مَنْ لَمْ يَزَلْ عَالِما) أي بلا كيف.
(فَقَالَ الرَّجُلُ: فَكَيْفَ سَمَّيْنَا رَبَّنَا سَمِيعا؟) . الفاء في قوله: «فكيف» للتفريع؛ أي إذا لم يكن معه تعالى شيء غيره في الأزل لم يكن مسموع ولا سمع، فكيف يسمّى سميعا.
وهذا مبنيّ على الخلط بين السميع والسامع، وبين السمع المعقول في الرأس وغيره.

1.في حاشية «أ» : «المتوهم مولانا محمّد أمين الإسترابادي رحمه الله» .

2.نهج البلاغة ، ص ۲۷۶ ، الخطبة ۱۸۶ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 66268
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي