467
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

الشَّجَرَةِ» 1 وقال: «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ» 2 . وروى الزمخشري عن جابر بن عبداللّه أنّه قال: بايعنا رسول اللّه صلى الله عليه و سلم تحت الشجرة على الموت وعلى أن لا نفرّ، فما نكث أحدٌ منّا البيعة إلّا جدّ بن قيس وكان منافقا اختبأ تحت إبط بعيره ولم يَسِرْ مع القوم. انتهى. 3 وقد فرَّ قوم بعد بيعة الرضوان في غزوة خيبر؛ روى البخاري عن البراء بن عازب أنّه قيل له: طوبى لك صحبت رسول اللّه صلى الله عليه و سلموبايعته تحت الشجرة، فقال: يابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده. انتهى. 4
إن أرجع ضمير «بعده» إلى المذكور من البيعة، فكأنّه يشير إلى من فرَّ يوم خيبر، وإلى أنّه لا يجوز الاعتماد على محض صورة الصحبة والبيعة، وإن أرجع ضمير «بعده» إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فالمعنى ظاهر. وهذا يدلّ على أنّ الرضا منه تعالى ينقلب، والحبّ والرضا واحد.
قلت: لعلّه لم يقل اللّه تعالى: «لقد رضي اللّه عن الذين بايعوك تحت الشجرة» مع أنّه أخصر للإشعار بأنّه لم يرض عن جميع المبايعين، فيكون المراد بالمؤمنين حينئذٍ أهلَ السعادة.
إن قلت: ذكر «إذ» في قوله: «إذ يبايعونك» يدلّ على أنّه لم يكن راضيا عنهم قبل ذلك، فهذا يدلّ على حدوث الرضا بالأعمال الصالحة، والحديث يدلّ على خلاف ذلك.
قلت: قد ذكر في الحديث أنّ الحبّ قد يتعلّق بالشخص لسعادته، وقد يتعلّق بالعمل لموافقته الأمر، وأنّ المتعلّق بالعمل يحدث بحدوث العمل، وينتفي بانتفائه، فلعلّ ما في الآية من القسم الثاني، وإنّما علّق بهم إشعارا بأنّه اجتمع فيه القسمان، فيكون المراد بالمؤمنين حينئذٍ أيضا أهل السعادة، أو هو تعليق مجازي، ولا حجر في

1.الفتح (۴۸) : ۱۸ .

2.الفتح (۴۸) : ۱۰ .

3.الكشّاف ، ج ۳ ، ص ۵۴۳ .

4.صحيح البخاري ، ج ۵ ، ص ۶۶ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
466

وهذا لا يقتضي الجبر؛ لأنّ الهوي إلى شى ء لا ينافي القدرة على ضدّه؛ ففي التعليل مسامحة، وهو من قبيل تعليل الشيء بالكاشف عنه وبالعلّة لإثباته، لا لثبوته؛ كأن يقال: تهوي إلينا لأنّ اللّه علم منهم ذلك، والعلم تابع وكاشف.
وأمّا قولهم عليهم السلام في ذلك الباب: «لا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء، ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء» فسيجيء تحقيقه في ثاني «باب الاستطاعة».
(فَمَنْ خَلَقَهُ اللّهُ سَعِيدا، لَمْ يُبْغِضْهُ) أي لم يكله إلى نفسه، ولم يحدث فيه شقاء.
(أَبَدا ، وَإِنْ عَمِلَ شَرّا ، أَبْغَضَ عَمَلَهُ 1 ) . المراد ببغضه تعالى العملَ النهيُ عنه باعتبار استمرار ذلك النهي وتعلّقه به.
(وَلَمْ يُبْغِضْهُ) ؛ فإنّه إن أبغضه ـ أي وكله إلى نفسه ـ رسخ فيه حبُّ عمل الشرّ، وصار إلى سوء الخاتمة.
والمعتزلة ـ القائلون بأنّ السعادة والشقاء مساوقان للعمل الحسن والقبيح في الأبدان، وينكرون خلق السعادة ـ يقولون: إنّ من عمل شرّا أبغضه اللّه ، فإن عمل خيرا انقلب بغضه حبّا.
(وَإِنْ كَانَ شَقِيّا) أي ومَن خلقه اللّه شقيّا.
(لَمْ يُحِبَّهُ أَبَدا) أي لم يحدث فيه سعادة.
(وَإِنْ عَمِلَ صَالِحا، أَحَبَّ عَمَلَهُ) . المراد بحبّه تعالى العملَ الأمرُ به باعتبار استمرار ذلك الأمر وتعلّقه به.
(وَأَبْغَضَهُ) أي وكله إلى نفسه.
(لِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ) أي لعلمه بما يصير إليه من حسن الخاتمة وسوء الخاتمة.
(فَإِذَا أَحَبَّ اللّهُ شَيْئا، لَمْ يُبْغِضْهُ أَبَدا، وَإِذَا أَبْغَضَ شَيْئا، لَمْ يُحِبَّهُ أَبَدا) . تصريحٌ بالفذلكة.
إن قلت: قال تعالى في سورة الفتح: «لَقَدْ رَضِىَ اللّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ

1.في «ج» : «عليه» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 79532
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي