485
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

الحُسن والقبح العقليّين، فقد وقع فيما فرَّ منه من ثمرة الجبر، بل نقول: إنّ لفظ الجبر أنسب بهذا المذهب لغةً وتفصيله في محلّه، وأمّا كونه قدريّا فظاهر.
الأوّل: (عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا رَفَعُوهُ، قَالَ : كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام جَالِسا بِالْكُوفَةِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ) ؛ مصدر ميمي، أي انصرافه.
(مِنْ صِفِّينَ) ؛ بكسر المهملة وكسر الفاء المشدّدة؛ من صفن الفرس: إذا ثنى حافره، كسجّين من سجن اسم موضع قرب الرقّة شاطئ الفرات، كانت به الواقعة العظمى بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين معاوية. ۱(إِذْ) ؛ للمفاجأة.
(أَقْبَلَ شَيْخٌ فَجَثَا) ؛ بالجيم والمثلّثة كدعا ورمى؛ أي فجلس على ركبتيه.
(بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ۲: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِنَا إِلى أَهْلِ الشَّامِ) ، أي معاوية وعسكره.
(أَ بِقَضَاءٍ مِنَ اللّهِ وَقَدَرٍ؟) . ليس المراد بالقضاء والقدر هنا ما يُراد بهما إذا عدّا في الخصال السبع التي مرّ تفسيرها في أوّل الخامس والعشرين، ۳ بل المراد بكلّ منهما هنا أعمّ من الخصال الخمس الاُول المذكورة فيه؛ وهي المشيئة والإرادة والقدر والقضاء والإذن، فنقول: التدبير من اللّه للواقع من فعل عبد أو تركه له اعتبارُ أنّ الأوّل كونه قطعا وفصلاً؛ أي لا يرجع عنه بندم ونحوه، والثاني كونه موافقا للحكمة والمقدار اللائق، فبالاعتبار الأوّل يسمّى قضاءً، وبالاعتبار الثاني يسمّى قدرا، فالقضاء والقدر هنا متّحدان بالذات، متغايران بالاعتبار والمفهوم.
(فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أَجَلْ) ؛ بالهمز والجيم المفتوحتين وسكون اللام، جوابٌ مثل «نعم».

1.اُنظر القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۴۲ .

2.في الكافي المطبوع : + «له» .

3.أي في الحديث ۱ من باب في أنّه لا يكون شى ء في السماء والأرض إلّا بسبعة .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
484

مؤثّرة بالفعل؛ لمقارنتها تأثير قدرة اللّه التي هي أقوى منها، ومن شأنها التأثير أي علم اللّه تعالى أنّه لو لم تجامع قدرته تأثير قدرة اللّه ، لأثّرت على وفق ما أثّرت قدرة اللّه فيه من الفعل أو الترك، وأنّه لا يستحقّ العبد مدحا ولا ذمّا عقلاً. ۱
ومذهب القدريّة: أنّ العبد مؤثّر في الفعل والترك، وقادر على كليهما، وأنّه يستحقّ المدح أو الذمّ عقلاً، وأنّه لم يبق للّه تعالى طريق إلى إطاعة العاصي في ذلك الوقت إلّا القسر والإلجاء، فإنّه يجب على اللّه تعالى كلّ لطف ناجع، فليس في مقدوره تعالى من اللطف ما لو فعله بالعاصي في وقتٍ لأطاع فيه، فليس فعل العبد ولا تركه بمشيئة اللّه ولا إرادته ولا قدره ولا قضائه. وقد مرّ معنى الجميع في أوّل الخامس والعشرين، ۲ وأنّ قدرته على فعل في وقت تتقدّم على ذلك الوقت، فهو مستقلّ بالقدرة غير متوقّف فعله ولا تركه على الإذن من اللّه . ۳
ومذهب أهل الأمر بين الأمرين: أنّ العبد مؤثّر في فعله وتركه، وقادر على كليهما، ويستحقّ المدح أو الذمّ عقلاً، وأنّ للّه تعالى طرقا لا تُعدّ ولا تحصى إلى اختيار العاصي في وقت للطاعة فيه، فما من فعلٍ أو ترك من العبد إلّا بمشيئة اللّه وإرادته وقدره وقضائه، وأنّ قدرته على فعل أو ترك في وقت لا تتقدّم على ذلك الوقت، فلا يستقلّ العبد بالقدرة، بل يتوقّف فعله وتركه على الإذن من اللّه .
ومذهب أبي الحسين هو مذهب المعتزلة بعينه، مع ضمّ قاعدة من الفلسفة هي أنّ الشيء ما لم يجب بوجوب سابق لم يوجد؛ لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة. ۴
والمراد بالوجوب السابق الوجوب بالنسبة إلى الموقوف عليه، فهو جبري قدري؛ أمّا كونه جبريّا فلأنّ هذه القاعدة شريكة لمذهب جهم والأشاعرة في استلزام ارتفاع

1.اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع للأشعري ، ص ۷۲ ؛ الملل والنحل للشهرستاني ، ج ۱ ، ص ۸۹ . وحكاه العلّامة في نهج الحقّ وكشف الصدق ، ص ۹۷ ومناهج اليقين ، ص ۳۶۶ ، وفي الطبعة الاُخرى ، ص ۲۳۵ .

2.أي في الحديث ۱ من باب في أنّه لا يكون شيء في السماء والأرض إلّا بسبعة .

3.شرح الاُصول الخمسة ، ص ۳۱۶ . وانظر الرسالة السعديّة للعلّامة ، ص ۹۷ .

4.حكاه عنه العلّامة في معارج الفهم ، ص ۴۰۹ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 80687
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي