489
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

(لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ) . دليل على إبطال مذهب أبي الحسين، ويبطل به مذهب جهم والأشاعرة: أيضا، وتقريره: أنّ الثواب هو الأجر، وهو نفع مقارن للتعظيم والمحمدة، والعقاب ضرّ مقارن للإهانة واللوم، ولا يتصوّران مع شيء من معاني الجبر، لأنّ كلّاً منهما مع بيّنة وحجّة بالغة، وإلّا كان سفها يتعالى عنه.
وبهذا يحصل الفرق بين الأجر والعوض؛ ففي نهج البلاغة: وقال عليه السلام لبعض أصحابه في علّة اعتلّها: «جعل اللّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك، فإنّ المرض لا أجر فيه، ولكنّه يحطّ السيّئات، ويحتّها حتّ الأوراق، وإنّما الأجر في القول باللسان والعمل بالأيدي والأقدام، وأنّ اللّه سبحانه يُدخِل بصدق النيّة والسريرة الصالحة مَن يشاء من عباده الجنّة». ۱
وقال فيه السيّد الرضيّ رحمه الله:
وأقول: صدق عليه السلام إنّ المرض لا أجر فيه؛ لأنّه من قبيل ما يستحقّ عليه العوض؛ لأنّ العوض يستحقّ على ما كان في مقابلة فعل اللّه تعالى بالعبد من الآلام والأمراض وما يجري مجرى ذلك، والأجر والثواب يستحقّان على ما كان في مقابلة فعل العبد، فبينهما فرق قد بيّنه عليه السلام كما يقتضيه علمه الثاقب، ورأيه الصائب. انتهى. ۲
ويندفع بهذا التقرير ما قيل في تجويز العقاب على النسيان أو الخطأ من أنّ الذنوب كالسموم، فكما أنّ تناولها يؤدّي إلى الهلاك وإن كان خطأً، فتعاطي الذنوب لا يبعد أن يفضي إلى العقاب وإن لم تكن عزيمة. انتهى. ۳ يريد أنّها كسائر العادّيّات المترتّبة على أسبابها من غير لزوم عقلي ولا اتّجاه سؤال.
وفيه: أنّ لوم المجبور سفاهة، فيتوجّه فوق السؤال، وكذا يندفع ما يقال من أنّ عقاب الكافر كإحراق الحطب، وثوابَ المؤمن كَلفِّ الجوهرة في الحرير؛ كلّ منهما يقتضي ۴

1.نهج البلاغة ، ص ۴۷۶ ، الحكمة ۴۲ .

2.نهج البلاغة ، ص ۴۷۶ ، ذيل الحكمة ۴۲ .

3.تفسير البيضاوي ، ج ۱ ، ص ۵۸۶ ذيل الآية : «رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ» .

4.في «ج»: «مقتض».


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
488

عجزوا عن جوابها، فارتكبوا خلاف الضرورة، لكن توهّم الشيخ استلزام ثبوت القضاء والقدر حينئذٍ لمذهب أبي الحسين وهو كون فعل اللّه موجبا بالوجوب السابق لفعل العبد الصادر منه، وظهورُ منافاته لأمر الثواب والعقاب ليس في مرتبة ظهور منافاة مذهب جهم والأشاعرة، ولذا ذهب أبو الحسين وأتباعه إلى قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين دون جهم والأشاعرة. ۱(وَكَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مَسِيرُنَا وَمُنْقَلَبُنَا) . مصدر ميمي؛ أي انقلابنا في الحرب مع العدوّ من مكان إلى مكان، ومن حال إلى حال.
(وَمُنْصَرَفُنَا؟! فَقَالَ لَهُ: وَتَظُنُّ) . الواو للعطف على مقدّر، وفيه استفهام للإنكار؛ أي أظننت قبل هذا الجواب المشتمل على إثبات الأجر مع القضاء والقدر، وتظنّ بعده:
(أَنَّهُ) أي أنّ ما تعلّق بمسيركم إلى أهل الشام من القضاء والقدر.
(كَانَ قَضَاءً حَتْما ) ؛ بفتح المهملة وسكون المثنّاة فوق، مصدر قولك: حتمت عليه الشيء، أي أوجبت، والوصف بالمصدر للمبالغة، والمراد موجبا للفعل على العبد بحيث لم يكن له سبيل إلى تركه أصلاً؛ لفقده العلّة التامّة للترك، كأن يكون الفعل واجبا بالوجوب السابق.
(وَقَدَرا لَازِما) أي ممتنع التغيّر لوجوبه بالنسبة إلى علّته التامّة بالوجوب السابق، كما هو مقتضى قاعدة الفلاسفة. ۲ وفي نهج البلاغة: «لعلّك ظننت قضاءً لازما، وقدرا حاتما». ۳ ومعنى العبارتين واحد.
(إِنَّهُ) . الضمير راجع إلى ما رجع إليه ضمير «أنّه كان».
(لَوْ كَانَ كَذلِكَ) أي لو كان قضاءً حتما، وقدرا لازما.

1.حكى ذلك عن أبي الحسين وعن جهم والأشاعرة العلّامة في مناهج اليقين ، ص ۳۵۸ ، وفي الطبعة الاُخرى ، ص ۲۳۰ ؛ معارج الفهم في شرح النظم ، ص ۴۰۰ .

2.أي قولهم باستحالة تخلّف المعلول عن العلّة التامّة .

3.نهج البلاغة ، ص ۴۸۱ ، ح ۷۸ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 80559
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي