وتقرير الدليل: أنّ اللائمة ـ وهي التثريب والتنديم ـ معلوم بديهةَ أنّه لا يستحقّها المجبور، وأنّها ليست كالذمّ بالآفة والعاهة، وكذا الكلام في المحمدة، فإنّها ليست كالمدح برشاقة القدّ، ۱ وصباحة الخدّ ونحوهما، وثبوت اللائمة للمذنب معلوم عقلاً وشرعا؛ أمّا الأوّل فلأنّه مركوز في ذهن كلّ عاقل حتّى الأطفال يلومون من أساء، وأمّا الثاني فلآيات كثيرة منها قوله تعالى في سورة المؤمنين: «قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا»۲ الآيات.
(وَلَكَانَ) . دليل آخر، وهو معطوف على قوله: «لبطل». وزيادة اللام هنا للإشعار بأنّ الأدلّة السابقة متشابهة الجنس، وهذا الدليل ليس من جنسها، وبأنّ مفسدته أشدّ من مفسدتها.
(المُذْنِبُ أَوْلى بِالْاءِحْسَانِ مِنَ الْمُحْسِنِ، وَلَكَانَ الْمُحْسِنُ أَوْلى بِالْعُقُوبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ) .
حاصله: أنّه لو كان جبر مع تحقّق ثواب وعقاب ـ كما هو المتّفق عليه بين كلّ المسلمين ـ لكان المذنب إلى آخره، وهو باطل.
ولا يجوز للخصم أن يقول: إنّ فرض الثواب والعقاب مع الجبر فرض محال.
وذلك لأنّه إقرار بفساد الجبر؛ لأنّ ثبوت الثواب والعقاب متّفق عليه ومعلوم.
ويحتمل أن يُراد بالإحسان النفع، وبالعقوبة الإيلام مطلقا، ووجه الأولويّتين أنّ المذنب قد اُجبر على قبيح وهو شرّ، والمحسن قد اُجبر على حسن وهو خير، فحسبهما هذا الشرّ وهذا الخير، فلو كان مع الجبر ثواب وعقاب، أو نفع وضرر، لكان الأولى التلاقيَ وجبر الجبرين على هذا الفرض للمحال أو الممكن.
إن قلت: قد حصل للمذنب راحة في الدنيا، وللمُحسن تعب تكلّف الأعمال الشرعيّة؟
قلت: نرى المتّقين الراضين بقضاء اللّه تعالى أوسعَ معيشةً من المذنبين الساخطين للقضاء؛ لأنّهم دائما في تعب نفساني، بل وجسماني حتّى ملوكهم، وقد أخبر اللّه تعالى عن الكفّار بأنّ لهم معيشةً ضنكى، ولكن إبليس قد لبّس عليهم، ولا يلتفتون إلى تعبهم، ولا