491
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

وتقرير الدليل: أنّ اللائمة ـ وهي التثريب والتنديم ـ معلوم بديهةَ أنّه لا يستحقّها المجبور، وأنّها ليست كالذمّ بالآفة والعاهة، وكذا الكلام في المحمدة، فإنّها ليست كالمدح برشاقة القدّ، ۱ وصباحة الخدّ ونحوهما، وثبوت اللائمة للمذنب معلوم عقلاً وشرعا؛ أمّا الأوّل فلأنّه مركوز في ذهن كلّ عاقل حتّى الأطفال يلومون من أساء، وأمّا الثاني فلآيات كثيرة منها قوله تعالى في سورة المؤمنين: «قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا»۲ الآيات.
(وَلَكَانَ) . دليل آخر، وهو معطوف على قوله: «لبطل». وزيادة اللام هنا للإشعار بأنّ الأدلّة السابقة متشابهة الجنس، وهذا الدليل ليس من جنسها، وبأنّ مفسدته أشدّ من مفسدتها.
(المُذْنِبُ أَوْلى بِالْاءِحْسَانِ مِنَ الْمُحْسِنِ، وَلَكَانَ الْمُحْسِنُ أَوْلى بِالْعُقُوبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ) .
حاصله: أنّه لو كان جبر مع تحقّق ثواب وعقاب ـ كما هو المتّفق عليه بين كلّ المسلمين ـ لكان المذنب إلى آخره، وهو باطل.
ولا يجوز للخصم أن يقول: إنّ فرض الثواب والعقاب مع الجبر فرض محال.
وذلك لأنّه إقرار بفساد الجبر؛ لأنّ ثبوت الثواب والعقاب متّفق عليه ومعلوم.
ويحتمل أن يُراد بالإحسان النفع، وبالعقوبة الإيلام مطلقا، ووجه الأولويّتين أنّ المذنب قد اُجبر على قبيح وهو شرّ، والمحسن قد اُجبر على حسن وهو خير، فحسبهما هذا الشرّ وهذا الخير، فلو كان مع الجبر ثواب وعقاب، أو نفع وضرر، لكان الأولى التلاقيَ وجبر الجبرين على هذا الفرض للمحال أو الممكن.
إن قلت: قد حصل للمذنب راحة في الدنيا، وللمُحسن تعب تكلّف الأعمال الشرعيّة؟
قلت: نرى المتّقين الراضين بقضاء اللّه تعالى أوسعَ معيشةً من المذنبين الساخطين للقضاء؛ لأنّهم دائما في تعب نفساني، بل وجسماني حتّى ملوكهم، وقد أخبر اللّه تعالى عن الكفّار بأنّ لهم معيشةً ضنكى، ولكن إبليس قد لبّس عليهم، ولا يلتفتون إلى تعبهم، ولا

1.في «ج» : «القدر» .

2.المؤمنون (۲۳) : ۱۰۸ ـ ۱۰۹ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
490

طبع الكافر والمسلم وذواتهما، ۱ ولذا يُقال: فلان سيّء الذات، وفلان حسن الذات. انتهى. وذلك لأنّ لوم الحطب ومحمدة الجوهرة سفاهة، وأيّ سفاهة، فالقياس مع الفارق، وسوء الذات وحسنه مجاز عن تمكّن حبّ الشرّ وحبّ الخير كما مرَّ في أحاديث «باب السعادة والشقاء» فإنّ اختلاف الذات بغير هذا بين أفراد الإنسان غير معلوم لأحدهم.
(وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ) . دليل آخر تقريره: أنّ الأمر والنهي طلب، ولا يصحّ الطلب في المجبور بأحد المعاني الثلاثة؛ لأنّ طلب ما ليس فعله أو موجبه بالوجوب السابق إلّا في يد الطالب سفه، فليس الأمر كتسبيب سائر الأسباب المفضية إلى الأفعال عادةً، بأن يجبر اللّه العبد عقيب ذلك الطلب، كما يحرق عقيب مماسّة النار عادةً، فإنّ الأوّل قبيح في نفسه وسفاهة يتعالى عنه، بخلاف الثاني، وليس أيضا وقوع المأمور عقيب الأمر عاديا.
(وَالزَّجْرُ) . دليل آخر، وهو من زجر الإبل: إذا حثّها وحملها على السرعة. وزواجر اللّه تعالى: بلاياه النازلة على العُصاة ووعده ۲ وأحكامه في القصاص والحدود ونحو ذلك.
تقرير الدليل: أنّ زجر المجبور بأحد المعاني الثلاثة سفه وقبيح في نفسه يتعالى عنه، فليس هذا أيضا كتتميم سائر الأسباب المفضية إلى الأفعال عادةً.
(مِنَ اللّهِ) . الظرف مستقرّ وهو حال عن كلّ من الثواب والعقاب، والأمر والنهي والزجر، وفائدته أنّه لا يلزم من الجبر بطلان الثواب ونحوه مطلقا؛ لجواز أن يأتي به السفيه في مقابلة فعل جبري.
(وَسَقَطَ مَعْنَى الْوَعْدِ) . دليل آخر، والمراد بمعنى الوعد مناطه ومحسّنه.
(وَالْوَعِيدِ) أي مطلقا، سواء كان وعد اللّه ووعيده، أم وعد العباد ووعيدهم.
(فَلَمْ تَكُنْ لَائِمَةٌ لِلْمُذْنِبِ، وَلَا مَحْمَدَةٌ لِلْمُحْسِنِ) . الفاء تدلّ على أنّ فرد معنى الوعد ثبوت المحمدة، وفرد معنى الوعيد ثبوت اللائمة، فسقوط المعنيين يستلزم عدمهما. واللام في «للمذنب» و«للمحسن» للاختصاص.

1.في «ج» : «ذاتهما» .

2.في «ج» : + «ووعيده» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 80514
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي