(وَخُصَمَاءِ الرَّحْمنِ) . معطوفٌ على «عَبَدة الأوثان» لا على «إخوان». والمراد بهم المفوّضة، وهم مَن على رأي المعتزلة في مسألة القدر، سواء كانوا من المعتزلة، أم من أهل المذاهب الاُخرى؛ رووا عن النبيّ عليه السلام أنّه قال: «القدريّة خصماء اللّه في القدر» ۱ ولا يتصوّر الخصومة في القدر إلّا على رأي المفوّضة، وقد تكرّر في الحديث «إنّ المفوّضة مضادّوا اللّه في ملكه» كما يجيء في شرح ثاني «باب الاستطاعة».
وتخصيص اسم الرحمان بالذكر لأنّ معناه من أعطى كلّ شيءٍ خلقه؛ أي ما يليق به من التدبير، فهو خالق كلّ شيء على وفق الحكمة، غير عاجز عن شيء كاللطف الناجع بالنسبة إلى العاصي. فهذا التخصيص كالتخصيص في قوله تعالى في سورة الفرقان: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ»۲ ، وفي سورة الملك: «مَا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ» . ۳
والاُخوّة بين الجبريّة والمفوّضة باعتبار أنّ كلّاً منهما على طرف خارج عن الحقّ الذي بينهما، ويقال للمتقابلين: إنّهما متشابهان كما قيل: إنّ قصّة سورة براءة تشابه قصّة الأنفال وتناسبها؛ لأنّ في الأنفال ذكرَ العهود، وفي براءة نبذَها، فضمّت إليها. انتهى. ۴
وظاهر الحديث أنّ القول بالتفويض أشدّ مخالفةً للحقّ من القول بالجبر.
(وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ، وَقَدَرِيَّةِ هذِهِ الْأُمَّةِ وَمَجُوسِهَا) .
هذه الثلاثة أوصاف أيضا للمفوّضة، فهي معطوفات على «خصماء الرحمن» عطفَ انسحاب؛ فالمعنى أنّ تلك مقالة إخوان طائفتين: الاُولى: عَبدة الأوثان، والثانية: الطائفة الجامعة لهذه الأوصاف الأربعة وهم المفوّضة.
إن قلت: لِمَ عطفت الأوصاف الأربعة على «عَبَدة الأوثان» ولم تعطفها ولا بعضها