493
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

(وَخُصَمَاءِ الرَّحْمنِ) . معطوفٌ على «عَبَدة الأوثان» لا على «إخوان». والمراد بهم المفوّضة، وهم مَن على رأي المعتزلة في مسألة القدر، سواء كانوا من المعتزلة، أم من أهل المذاهب الاُخرى؛ رووا عن النبيّ عليه السلام أنّه قال: «القدريّة خصماء اللّه في القدر» ۱ ولا يتصوّر الخصومة في القدر إلّا على رأي المفوّضة، وقد تكرّر في الحديث «إنّ المفوّضة مضادّوا اللّه في ملكه» كما يجيء في شرح ثاني «باب الاستطاعة».
وتخصيص اسم الرحمان بالذكر لأنّ معناه من أعطى كلّ شيءٍ خلقه؛ أي ما يليق به من التدبير، فهو خالق كلّ شيء على وفق الحكمة، غير عاجز عن شيء كاللطف الناجع بالنسبة إلى العاصي. فهذا التخصيص كالتخصيص في قوله تعالى في سورة الفرقان: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ»۲ ، وفي سورة الملك: «مَا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ» . ۳
والاُخوّة بين الجبريّة والمفوّضة باعتبار أنّ كلّاً منهما على طرف خارج عن الحقّ الذي بينهما، ويقال للمتقابلين: إنّهما متشابهان كما قيل: إنّ قصّة سورة براءة تشابه قصّة الأنفال وتناسبها؛ لأنّ في الأنفال ذكرَ العهود، وفي براءة نبذَها، فضمّت إليها. انتهى. ۴
وظاهر الحديث أنّ القول بالتفويض أشدّ مخالفةً للحقّ من القول بالجبر.
(وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ، وَقَدَرِيَّةِ هذِهِ الْأُمَّةِ وَمَجُوسِهَا) .
هذه الثلاثة أوصاف أيضا للمفوّضة، فهي معطوفات على «خصماء الرحمن» عطفَ انسحاب؛ فالمعنى أنّ تلك مقالة إخوان طائفتين: الاُولى: عَبدة الأوثان، والثانية: الطائفة الجامعة لهذه الأوصاف الأربعة وهم المفوّضة.
إن قلت: لِمَ عطفت الأوصاف الأربعة على «عَبَدة الأوثان» ولم تعطفها ولا بعضها

1.في حاشية «أ» : «رواه الشهرستاني في الملل والنحل (منه)» . الملل والنحل ، ج ۱ ، ص ۴۳ ؛ معارج اليقين في اُصول الدين ، ص ۴۵۹ .

2.الفرقان (۲۵) : ۶۰ .

3.المُلك (۶۷) : ۳ .

4.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۱۲۷ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
492

يخلّصون أنفسهم من ذلك التعب، والأعمال الشرعيّة ليست كبيرة على الخاشعين، وأثقل شيء عليهم المعاصي؛ على أنّه يكفي في الدليل كون المذنب المفلس السقيم الوضيع بين أهله، والناس أولى بالإحسان من المحسن الغنيّ الصحيح الرفيع بين أهله والناس.
(تِلْكَ) أي كون القضاء حتما، والقدر لازما. والتأنيث باعتبار الخبر.
(مَقَالَةُ) أي قول (إِخْوَانِ) ؛ جمع أخ، والاُخوّة هنا بمعنى المشابهة.
(عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ) ، هم مشركو العرب النافون للبعثة والبعث والعقاب والثواب، وكانوا مفوّضةً؛ لقوله تعالى في سورة الروم: «هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ»۱
، الآية. وقد أوضحناه في «كتاب العقل» في ثاني عشر «باب العقل والجهل».
وروي عن ابن بابويه في توحيده في «باب القضاء والقدر» عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «إنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة، وهم الذين أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله، فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ»۲ ». ۳
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: جاء مشركوا قريش إلى النبى¨ّ صلى الله عليه و سلميخاصمونه في هذا القدر، فنزلت هذه الآية: «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ» إلى: «إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ»۴ . ۵
ويحتمل أن يُقال: إنّ المراد بعَبَدة الأوثان هنا الجبريّة من المشركين، وكان فيهم جبريّة في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكون المراد بعبدة الأوثان هنا الجبريّة منهم موافق لكلام أكثر أصحابنا المتكلِّمين. ۶

1.الروم (۳۰) : ۲۸ .

2.القمر (۵۴) : ۴۸ و ۴۹ .

3.التوحيد ، ص ۳۸۲ ، ح ۲۹ .

4.القمر (۵۴) : ۴۷ ـ ۴۹ .

5.صحيح مسلم ، ج ۸ ، ص ۵۲ .

6.اُنظر شرح اُصول الكافي للمازندراني ، ج ۵ ، ص ۹ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 80487
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي