523
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

قبل أن يَمْلِكوا عبادتك» إلى آخره . ۱
والمفوّضة يستعملون الاستطاعة دائما بهذا المعنى إلّا بقرينة . والمراد بالاستطاعة في رابع الباب المعنى الأوّل ؛ لأنّه على طبق اللغة، وفيه الردّ على المجبّرة أوّلاً، وفي الثلاثة الاُخرى المعنى الثاني، لأنّها للردّ على المفوّضة، فليحمل عنوان الباب على بيان كلّ منهما .
وقد يستعمل لفظ الاستطاعة في معنى ثالث، وهو آلة سعة قدرة المخلوق على شيء، أي آلة يظنّ معها في الحال أنّه سيتحقّق القدرة في ذي الآلة على شيء في حال بعد تلك الحال إن لم يترك ذو الآلة باختياره شيئا ممّا يقدر عليه من الشروط لذلك الشيء .
وهو محتمل في قوله تعالى في سورة آل عمران : «وَللّهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»۲ ، ويجيء في «كتاب الحجّ» في خامس «باب استطاعة الحجّ» . ۳
الأوّل : (عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ) . مراده الاستطاعة بالمعنى الثاني لأفعال الجوارح كالزّني والمشي ونحو ذلك .
(فَقَالَ : يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ) أي لأفعال الجوارح (بَعْدَ أَرْبَعِ خِصَالٍ) ؛ بكسر المعجمة جمع «خَصلة» بفتحها، وهي الحالة. والصفة الاُولى :
(أَنْ يَكُونَ مُخَلَّى) ؛ بالمعجمة بصيغة اسم مفعول باب التفعيل .
(السِّرْبِ) ؛ بكسر السين المهملة وفتحها وسكون الراء المهملة وموحّدة: الطريق؛ أي لا يمنعه أحد من الناس عن الفعل كالحاكم ؛ وبكسر السين المهملة: البال والنفس ؛ أي فارغ البال . الثانية: أن يكون:
(صَحِيحَ الْجِسْمِ) أي لا يكون به مرض لا يقدر معه على الفعل . الثالثة: أن يكون: (سَلِيمَ الْجَوَارِحِ) ؛ بفتح الجيم ؛ أي ليس في الجارحة التي يحتاج إليها في الفعل آفة،

1.الصحيفة السجّادية ، ص ۱۶۳ ، الدعاء ۳۷ .

2.آل عمران (۳) : ۹۷ .

3.الكافي ، ج ۴ ، ص ۲۶۸ ، ح ۵ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
522

يسمّى في الفارسيّة: «توان وتوانايى». وأهل اللغة والمجبّرة يستعملونها دائما بهذا المعنى إلّا بقرينة .
الثاني: القدرة على ما لم تتعلّق بمنافيه مشيئة من لا يكون إلّا ما شاء اللّه ، ومعنى المشيّة هنا ما ذكرنا في تحرير محلّ النزاع بيننا وبين المعتزلة في قولنا: «ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لم يكن» في أوّل الخامس والعشرين. ۱
ومشيّة اللّه تعالى عندنا هي مشيّة من لا يكون إلّا ما شاء، وليست عند المعتزلة كذلك ، ولذا لم نقل في الحدّ: لم تتعلّق بمنافيه مشيّة اللّه ، فإنّه يصير النزاع الآتي في أحاديث الباب بيننا وبين المعتزلة ـ في نحو أنّ المؤمن المستمرّ على الإيمان إلى آخر عمره هل هو مستطيع للكفر كما هو عندهم، أم لا كما هو عندنا ـ حينئذٍ لفظيّا، فاستطاعة الإيمان بهذا المعنى مساوقة للتوفيق ، واستطاعة الكفر بهذا المعنى مساوقة للخذلان .
وقد حمل على المعنى الثاني للاستطاعة قوله تعالى في سورة الكهف : «إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِى صَبْرا»۲ ، وقوله تعالى في سورة بني إسرائيل : «فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً»۳ ، وما يجيء في «كتاب الإيمان والكفر» في «باب طينة المؤمن والكافر» من قوله عليه السلام : «لا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء، ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء». ۴ وفي الصحيفة الكاملة من دعائه عليه السلام إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر: «لا يجب لأحد أن تغفر له باستحقاقه، ولا أن ترضى عنه باستيجابه ؛ فمن غفرتَ له فبطَوْلك، ومَن رضيتَ عنه فبفَضْلك، تشكر يسيرَ ما تشكر به، ۵ وتُثيب على قليل ما تُطاع فيه حتّى كأنّ شكر عبادك الذي أوجبتَ عليه ثوابَهم، وأعظمتَ عنه جزاءهم أمرٌ ملكوا استطاعةَ الامتناع منه دونك فكافَيْتَهم، أولم يكن سببه بيدك فجازَيْتَهم، بل ملكتَ يا إلهي أمْرَهم

1.أي في الحديث ۱ من باب في أنّه لا يكون شيء في السماء والأرض إلّا بسبعة .

2.الكهف (۱۸) : ۶۷ .

3.الفرقان (۲۵) : ۹ .

4.الكافي، ج ۲، ص ۶، ذيل باب طينة المؤمن والكافر: باب آخر منه وفيه زيادة وقوع التكليف الأوّل، ح ۱.

5.في المصدر : «ما شكرتَه» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 83985
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي