بيان ذلك: أمّا في التفويض الأوّل ـ وهو إقداره تعالى عبدا على شيء بحيث لا يقدر تعالى على ما يصرف ذلك العبد عن اختيار ما اختاره من الفعل أو الترك إلى اختيار ضدّه ـ فبأدلّة :
الدليل الأوّل : أنّ عدم القدرة المذكورة إمّا لعدم إمكان ذات ما يقرّب إلى اختياره الضدّ ، وإمّا لعدم إمكان إفضائه إلى اختياره الضدّ بدون قسر وإلجاء ، وإمّا لعدم علمه بوجوه المفضي إلى اختياره الفعل وإلى اختياره ضدّه ، وإمّا لعدم تعلّق إفضائه إلى اختيار الضدّ لقدرة اللّه . والثلاثة الاُولى باطلة، والرابع يستلزم إمكان المضادّة :
أمّا بطلان الأوّل، فلأنّا نعلم إمكان أن يجعل لمن يؤمن بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضّة ، أو يمنع الكافرين الصحّة والثروة، ويُعلمهم أنّ المنع لكفرهم، وأنّها تعود بإيمانهم .
وأمّا بطلان الثاني، فلأنّا نعلم إمكان أن يفضي ذلك إلى إيمان من في الأرض جميعا بدون قسر وإلجاء، نظير ما قالوا في سورة الزخرف : «وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفا مِنْ فَضَّةٍ»۱ ؛ وذلك حين يشاء اللّه تعالى اختيارهم الإيمان، كما في قوله تعالى في سورة الشعراء : «لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ»۲ ، فلا ينتقض بقوله تعالى في سورة الأنعام : «وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ»۳ الآيات .
وأمّا بطلان الثالث، فبالاتّفاق وأنّه ضروريُّ دين الإسلام .
وأمّا كون الرابع مستلزما لإمكان المضادّة، فلأنّا لا نعني بالمضادّة إلّا الإخراج له تعالى من سلطانه وملكه ، أي من أن يكون بيده أزمّة الاُمور الممكنة .
قال الزمخشري من المعتزلة في الكشّاف في تفسير قوله تعالى في سورة ألم