529
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

بيان ذلك: أمّا في التفويض الأوّل ـ وهو إقداره تعالى عبدا على شيء بحيث لا يقدر تعالى على ما يصرف ذلك العبد عن اختيار ما اختاره من الفعل أو الترك إلى اختيار ضدّه ـ فبأدلّة :
الدليل الأوّل : أنّ عدم القدرة المذكورة إمّا لعدم إمكان ذات ما يقرّب إلى اختياره الضدّ ، وإمّا لعدم إمكان إفضائه إلى اختياره الضدّ بدون قسر وإلجاء ، وإمّا لعدم علمه بوجوه المفضي إلى اختياره الفعل وإلى اختياره ضدّه ، وإمّا لعدم تعلّق إفضائه إلى اختيار الضدّ لقدرة اللّه . والثلاثة الاُولى باطلة، والرابع يستلزم إمكان المضادّة :
أمّا بطلان الأوّل، فلأنّا نعلم إمكان أن يجعل لمن يؤمن بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضّة ، أو يمنع الكافرين الصحّة والثروة، ويُعلمهم أنّ المنع لكفرهم، وأنّها تعود بإيمانهم .
وأمّا بطلان الثاني، فلأنّا نعلم إمكان أن يفضي ذلك إلى إيمان من في الأرض جميعا بدون قسر وإلجاء، نظير ما قالوا في سورة الزخرف : «وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفا مِنْ فَضَّةٍ»۱ ؛ وذلك حين يشاء اللّه تعالى اختيارهم الإيمان، كما في قوله تعالى في سورة الشعراء : «لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ»۲ ، فلا ينتقض بقوله تعالى في سورة الأنعام : «وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ»۳ الآيات .
وأمّا بطلان الثالث، فبالاتّفاق وأنّه ضروريُّ دين الإسلام .
وأمّا كون الرابع مستلزما لإمكان المضادّة، فلأنّا لا نعني بالمضادّة إلّا الإخراج له تعالى من سلطانه وملكه ، أي من أن يكون بيده أزمّة الاُمور الممكنة .
قال الزمخشري من المعتزلة في الكشّاف في تفسير قوله تعالى في سورة ألم

1.الزخرف (۴۳) : ۳۳ .

2.الشعراء (۲۶) : ۳ ـ ۴ .

3.الأنعام (۶) : ۱۰۹ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
528

الثاني : أن يكون مع الفعل ، أي لا مع الترك بالكلّيّة .
الثالث : أن يكون الفعل مستمرّ الوقوع إلى آخر أجزائه، وذلك لأنّ وقت الفعل مع الفعل يُطلق على أيّ جزء من أجزاء مجموع الزمان المنطبق على مجموع الفعل ، فأشار عليه السلام إلى عدم تحقّق الاستطاعة لمجموع الفعل في وقت الفعل مع الفعل بهذا المعنى، وإلّا يلزم تقدّم الاستطاعة للتتمّة على وقتها، وليست القدرة على التتمّة مقدّمة عليها فضلاً عن الاستطاعة ، بل إنّما الاستطاعة ذات امتداد كالفعل، كلّ جزء من الاستطاعة متعلّق بجزء من الفعل، منطبق عليه في الزمان .
(فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوهُ) ؛ تفريع على الثالث لبيانه؛ فإنّه أحوج إلى البيان ؛ أي فحين لم يفعلوا مجموع الفعل أي بقي تتمّة لم يفعلوها بعدا وأصلاً .
(فِي مُلْكِهِ ،۱لَمْ يَكُونُوا مُسْتَطِيعِينَ) في وقت الفعل مع الفعل .
(أَنْ) أي لأن (يَفْعَلُوا) أي بعد ذلك أو مطلقا (فِعْلاً لَمْ يَفْعَلُوهُ ) أي جزءا من الفعل لم يفعلوه بعدا وأصلاً .
(لِأَنَّ) . استدلالٌ على قوله : «ثمّ لم يفوّض إليهم» لأنّه إذا ثبت ذلك كان تفريع ما فرّع عليه معلوما .
(اللّهَ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ أَعَزُّ) أي أغلب قدرةً، وأقهر سلطانا .
(مِنْ أَنْ يُضَادَّهُ فِي مُلْكِهِ) ؛ بضمّ الميم، أي سلطنته وكونه ربّ العالمين .
(أَحَدٌ) . هذا الدليل ما اُشير إليه في قوله تعالى في سورة الروم : «هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِى مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» . ۲
وقد أوضحناه في «كتاب العقل» في ثاني عشر «باب العقل والجهل». وتفصيله أنّ كلّاً من فردي التفويض يستلزم أن يكون الشيطان أو العبد مضادّا للّه في سلطنته .

1.في المخطوطتين : - «في ملكه» .

2.الروم (۳۰) : ۲۸ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 83944
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي