531
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

النقص في الملك وفي التصرّف في بعض الممكنات في أنفسها نقص في الجملة وإن كانت الوسيلة ممتنعة في نفسها .
الدليل الثالث : أنّه يستلزم أن يكون اللّه تعالى معزولاً عن أن يطلب منه التوفيق أو العصمة أو اللطف أو الإعاذة من شرّ الشيطان ونحو ذلك؛ لأنّ جميع ذلك طلب لما يقدر عليه، أو لما يجب عليه بدون طلب أيضا، فيكون الطلب طلبا ۱ لمحال، أو لغوا وتحصيلاً للحاصل بدون هذا التحصيل؛ وهذا نقص في الملك، وقد مرَّ آنفا امتناعه .
الدليل الرابع : أنّه يستلزم أن يكون معزولاً عن أن يتوكّل عليه في كلّ الاُمور، وعن أن يطلب منه النصر على العدوّ في الحرب ونحو ذلك، فإنّه ربّما كان عاجزا عن النصر ونحوه بعد إقدار كلّ من المتحاربين على ما أقدر «وَمَا النَّصْرُ إِلَا مِنْ عِندِ اللَّهِ» . ۲
الدليل الخامس : ما في الكتاب والسنّة ممّا يدلّ على أنّ هذا التفويض ينافي ملكوته تعالى، وهو مشتمل على أدلّة لا تحصى، كما ورد في الشرع من الدعاء وطلب التوفيق ونحوه من الاُمور المذكورة آنفا، والقول بأنّ جميع ذلك خارج عن حقيقة الطلب والدعاء مكابرة، وكذا ورد الأمر بالتوكّل في كلّ الاُمور عليه تعالى وتفويض كلّها إليه .
والآيات القرآنيّة في الردّ على التفويض الأوّل أكثر من أن تحصى كما في سورة الأنعام والرعد والزمر والمؤمن: «خَالِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ»۳ وفي سورة المؤمنين: «قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»۴ ، وفي سورة يس : «فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»۵ ، وفي سورة المدّثّر : «فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ»۶ ، وفي سورة الأنعام : «وَلَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكُوا»۷ ، وفي سورة

1.في «ج» : «طلب» .

2.آل عمران (۳) : ۱۲۶ .

3.الأنعام (۶) : ۱۰۲ ؛ الرعد (۱۳) : ۱۶ ؛ الزمر (۳۹) : ۶۲ ؛ المؤمن (۴۰) : ۶۲ .

4.المؤمنون (۲۳) : ۸۸ .

5.يس (۳۶) : ۸۳ .

6.المدثّر (۷۴) : ۵۵ ـ ۵۶ .

7.الأنعام (۶) : ۱۰۷ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
530

السجدة : «وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»۱ :
فإن قلت : من أين صحّ تفسير الرجوع بالتوبة ولعلّ من اللّه إرادة، وإذا أراد اللّه شيئا كان ولم يمتنع، وتوبتهم ممّا لا يكون ؛ ألا ترى أنّها لو كانت ممّا يكون لم يكونوا ذائقين العذاب الأكبر؟
قلت : إرادة اللّه تتعلّق بأفعاله وأفعال عباده، فإذا أراد شيئا من أفعاله كان ولم يمتنع للاقتدار وخلوص الداعي ، وأمّا أفعال عباده فإمّا أن يريدها وهم مختارون لها، أو مضطرّون إليها بقسره وإلجائه، فإن أرادها وقد قسرهم، فحكمها حكم أفعاله، وإن أرادها على أن يختاروها وهو عالم أنّهم لا يختارونها، لم يقدح ذلك في اقتداره، كما لا يقدح في اقتدارك إرادتك أن يختار عبدك طاعتك وهو لا يختارها؛ لأنّ اختياره لا يتعلّق بقدرتك، وإذا لم يتعلّق بقدرتك لم يكن فقده دالّاً على عجزك . انتهى . ۲
وفيه: أنّه إن أراد بالاقتدار القدرة على أفعاله ـ كما يظهر من قياسه على ۳ العبد ـ فهذا خارج عمّا فيه الكلام ، وإن أراد به ملك السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما، فذلك يقدح في اقتداره البتّة، كيف لا وقد تعلّقت باختيارهم إرادته ولم يقدر على تصرّف في اختيارهم، وقياسه من أقبح قول . وقوله: «فحكمها حكم أفعاله» يجيء بُعيد هذا ما فيه .
الدليل الثاني ـ ولا حاجة فيه إلى إبطال الشقّين الأوّلين من الدليل الأوّل ـ أن يُقال: صدور الإيمان باختيار عن الكافر ـ مثلاً ـ ممكن ۴ في نفسه ككفره، وإذا كان كلّ منهما مفوّضا إلى الكافر بحيث يقع منه إن شاء اللّه ، وإن لم يشأ لم يكن بيده تعالى أزمّة الاُمور، ولم يكن تعالى مالكا لما ملّك العباد إيّاه، ولا قادرا على ما أقدرهم عليه ؛ أي ما دام التمليك والإقدار، وهذا نقص في الملك والسلطنة، ونقص الملك ممتنع عليه عقلاً؛ لما مرّ في شرح عنوان «باب حدوث العالم وإثبات المحدث» من أنّ كلّ دليل يدلّ على إثبات الصانع يدلّ على أنّه كامل من جميع الجهات، ولا نقص فيه أصلاً، وبديهيّ أنّ

1.السجدة (۳۲) : ۲۱ .

2.الكشّاف ، ج ۳ ، ص ۲۴۵ .

3.في «ج» : «إلى» .

4.في «ج» : «يمكن» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 83945
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي