535
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

لزم نقض الغَرَض. بيان الملازمة: أنّ المكلّف إذا علم أنّ المكلَّف لا يطيع إلّا باللطف، فلو كلّفه من دونه، كان ناقضا لغرضه، كمن دعا غيره إلى طعامه، وهو يعلم أنّه لا يجيبه إلّا أن يستعمل معه نوعا من التأدّب، فإذا لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدّب، كان ناقضا لغرضه، ونقض الغرض قبيح في نفسه كالكذب ولوم المجبور، فيمتنع على اللّه تعالى مطلقا ؛ أي وإن عارضه مصالح ومفاسد كما حُقّق في محلّه .
والجواب: أنّ غرض المكلّف التعريض للثواب والعقاب لا نفس العبادة؛ بدليل أنّه لو كان الغرض نفس العبادة، لاستحال عدم وقوعها من أحد من المكلّفين، فإنّ عدم ترتّب العلّة الغائيّة على المُغيّا لا يجوز في فعل الحكيم تعالى ، ولذا قلنا: إنّ قوله تعالى في سورة الذاريات : «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ»۱ ـ على تقدير إرجاع الضمير إلى الجنّ والإنس، لا إلى المؤمنين المذكورين قبله ـ أنّ الغاية بالذات فيها طلب العبادة، ونفس العبادة غاية بالعرض اُقيمت مقام طلبها؛ تشبيها للمطلوب بالغاية بغاية الغاية، وغرضُ الداعي قد يكون نفس المجيء، فيقبح ترك التأدّب، وقد لا يكون، فلا يقبح .
ومنها : أنّ اللّه تعالى رؤوف بعباده أكثر من الأب والاُمّ بالولد، ونعلم قطعا أنّ الأب الحكيم الرؤوف بولده إذا علم من ولده أنّه يلقي نفسه في النار مع عدم لطفه به وقد قدر على لطف يمنعه من اختيار ذلك، لفعل ذلك اللطف البتّة، وإلّا كان سفيها أو غير رؤوف .
والجواب: أوّلاً: النقض بأنّه يلزم أن لا يكون تعالى قادرا على سلب القدرة على المعصية عن العبد؛ لأنّ الأب إذا علم من ولده أنّه لا يمتنع من إلقاء نفسه في النار إلّا بشدّ رجليه ونحوه ـ ممّا يزيل قدرته وقد قدر على ذلك ـ لفعل ذلك ، ثمّ إنّه لو علم أنّه لا يقدر على ذلك وكان قادرا على عدم ولادته، لم يلده البتّة ، واللّه تعالى خلق الكفّار على علم . ثمّ إنّه إن أذنب ولده كلّ ذنب، لم يرض بأن يعذّبه بالنار أبد الآبدين، واللّه تعالى ليس كذلك .
وثانيا: أنّا نرى ضدّ اللطف، فإنّه تعالى يخلق بعض الناس مائلين بحسب الجبلّة إلى

1.الذاريات (۵۱) : ۵۶ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
534

مُفْضٍ إلى الطاعة ويسمّى «توفيقا» ، وإمّا مفض إلى ترك المعصية ويسمّى «عصمة». وقد يُطلق كلّ من التوفيق والعصمة على القدر المشترك بين القسمين .
واستدلّت المعتزلة على وجوبه باُمور :
منها: ما نقله شيخنا أبو جعفر الطوسي قدس سره في التبيان في تفسير قوله تعالى في سورة النساء : «رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»۱ ؛ عن أبي عليّ الجبائي أنّه قال: ذلك يفسد قول من قال في مقدوره تعالى من اللطف ما لو فعله بالكافر لآمن، لأنّه لو كان الأمر على ما قالوه، لكان لهم الحجّة بذلك على اللّه قائمة . انتهى . ۲
والجواب: أنّه في لطف تعيين الأئمّة؛ ألا ترى إلى قوله: «بعد الرسل» فهذا خلط بين القسم الأوّل والثالث من اللطف، أو قياس للثالث على الأوّل .
ومنها : أنّا نعلم أنّه صدر عنه تعالى اللطف الناجع بالنسبة إلى بعض المكلّفين، فتركه بالنسبة إلى بعض مع قدرته عليه ينافي العدل .
والجواب منع أنّه ينافي العدل، إنّما ينافيه لو أخلى البعض عن القدرة . نعم ، يحتاج إلى سرّ ومخصّص، وتفصيل سرّ قدر اللّه وقضائه ممّا استأثر اللّه تعالى بعلمه، والاستكشاف عنه قبيح ومنهيٌّ عنه، كما مرّ في أحاديث «باب الخير والشرّ» .
وأمّا مجمله فقد مضى الإشارة إليه في شرح ثاني «باب السعادة والشقاء» روى ابن بابويه في توحيده في «باب القضاء والقدر» عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «إنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة، وهم الذين أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله، فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ»۳ » انتهى. ۴ والآية في سورة القمر .
ومنها : أنّ اللطف الناجع يحصل به غرض المكلّف بكسر اللام، فيكون واجبا، وإلّا

1.النساء (۴) : ۱۶۵ .

2.التبيان ، ج ۳ ، ص ۳۹۵ .

3.القمر (۵۴) : ۴۸ ـ ۴۹ .

4.التوحيد ، ص ۳۸۲ ، ح ۲۹ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 67384
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي