537
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

الشبهة الثانية : أنّ الاستطاعة للفعل قد تكون مع تركه، كما في قوله تعالى : «وَللّهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»۱ فإنّ كثيرا ممّن يجب عليه الحجّ لا يحجّ .
وجوابها : أنّ الاستطاعة هنا مستعملة في غير ما اصطلحتم عليه كما مرّ في بيان عنوان الباب .
الشبهة الثالثة : أنّ الرضا بقضاء اللّه تعالى واجب، ولو كان الكفر بقضائه، لوجب الرضا به، لكنّ الرضا بالكفر كفر .
وجوابها : أنّ الكفر ليس نفس القضاء، بل متعلّق القضاء، فنحن نرضى بالقضاء لا بالمقضيّ .
واعلم أنّ هذا الجواب لا يمكن أن يتمسّك به مَن يفسّر القضاء بالإيجاد كالأشاعرة، ولا من يفسّره بالعلم .
أمّا الأوّل، فلأنّه لا يتصوّر حينئذٍ انفكاك الرضا بالقضاء عن الرضا بالمقضيّ .
وأمّا الثاني، فلأنّ العلم من صفات الذات، وليس من صفات الأفعال حتّى يتصوّر فيه رضا وسخط .
قيل : هذا الجواب ليس بشيء، فإنّ القائل رضيت بقضاء اللّه لا يعني به رضاه بصفة من صفات اللّه ، إنّما يريد به رضاه بما يقتضي تلك الصفة وهو المقضيّ .
والجواب الصحيح أنّ الرضا بالكفر من حيث هو من قضاء اللّه طاعةٌ، ولا من هذه الحيثيّة كفر . انتهى . ۲
وفيه: أنّ قوله : «لا يعني» إلى آخره ، ممنوع، وهو مبنيّ على تفسير هذا القائل القضاءَ بالعلم، وهو باطل ؛ فإنّ الأوّل من صفات الفعل، والثاني من صفات الذات، وقياس صفة الفعل على صفة الذات أيضا ظاهر البطلان . وقوله : «الرضا بالكفر من حيث» إلى آخره

1.آل عمران (۳) : ۹۷ .

2.في حاشية «أ» : «القائل المحقّق الطوسي في تلخيص المحصّل في مسألة أنّه تعالى مريد لجميع الكائنات (منه)» . تلخيص المحصّل ، ص ۲۸۱ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
536

الشرّ، ويعطيهم قوّة الشهوة والثروة والملك والصحّة ونحو ذلك من المقرّبات إلى النار وسوء العاقبة، ويستدرجهم، ويمكر بهم ، والأب الحكيم الرؤوف بولده لا يفعل ذلك به وإن صدر عنه كلّ قبيح .
وثالثا: الحلّ بأنّ هذا قياس مع الفارق، فإنّ رأفة الأب والاُمّ غالبة على علمهما وحكمتهما، بخلاف اللّه تعالى الخالق لكلّ شيء، والمُعطي لكلّ شيء ما يليق به من الخلق، هل رأيت أبا حكيما رؤوفا قتل ولده الصغير بدون ذنب ولا عجز عن نفقته ، واللّه تعالى يميت الأطفال بعد ما يبتليهم بأنواع الأمراض ؛ قال تعالى في سورة النحل : «وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ»۱ فليس على اللّه تعالى إلّا الأصلح بمعنى الأوفق للحكمة في نفس الأمر في كلّ من طرفي النقيض، كما ذهب إليه معتزلة بغداد، ۲ ولا يعلمه إلّا هو، وليس عليه الأصلح للعباد بمعنى الأنفع لهم، كما توهّمه معتزلة البصرة، ۳ فإنّه ربّما كان مخالفا للحكمة التي لا يعلمها إلّا الخلّاق للعالمين ، فكان ظلما أي وضعا للشيء في غير موضعه «وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَامٍ لِّلْعَبِيدِ»۴«وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَـوَ تُ وَ الْأَرْضُ» ، ۵ وأين الأب من هذا؟ إنّما رأفته تبعثه على فعل فيه نفع الولد، غافلاً عن جميع الجهات الغير المتناهية في فعله هذا ، فلا يجوز هذا القياس ؛ قال تعالى في سورة النحل : «أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ» . ۶
ومنها : أنّ فعل اللطف الناجع إزاحة لعذر المكلّف، فوجب كالتمكين .
والجواب: منع أنّ كلّ لطف ناجع إزاحة كالتمكين، وما كان من اللطف إزاحة لا يعتبر في وجوبه عليه تعالى أن يكون ناجعا، كما مرّ في تحرير محلّ النزاع .

1.النحل (۱۶) : ۹ .

2.المغني في أبواب العدل والتوحيد ، ص ۱۱۶ .

3.المصدر .

4.آل عمران (۳): ۱۸۲.

5.المؤمنون (۲۳) : ۷۱ .

6.النحل (۱۶) : ۱۷ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 67378
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي